حسن الدّر- خاص ليبانون تايمز
ليس عابرًا مشهد خروج الولايات المتّحدة الأمريكيّة من أفغانستان، فما زالت الصّورة الشّهيرة لجلاء جنودها من فيتنام عام ١٩٧٥ عالقة في أذهان العالم، للتّذكير بمصير العملاء والمراهنين على الغزاة والمحتلّين، وبعد ٤٦ عامًا من تلك الصّورة الباهتة الّتي لا تتناسب مع تقنيّات العصر الحديث، جاءت صورة مطار “كابول” والفيديو المرفق للافغان اللّائذين بالمحتلّ لتكون وصمة عار “HD” على أميركا والمراهنين عليها، وستبقى مرافقة لأجيال كثيرة قادمة، علّها تكون عبرةً لمن يراهنون على الدّول الكبرى لحلّ مشاكلهم وبناء أوطانهم!
واذا كنّا نتفهّم لعبة المصالح في الحرب والسّياسة، فكيف نتقبّل اطلاق الجنود الامريكيين النّار على العزّل الّذين استجاروا بهم؟!
وأين حقوق الانسان في ذلك المشهد المريع؟!
ألا تدّعي أمريكا رعاية الحرّيّة والدّيمقراطيّة، وتغزو باسم الدّفاع عن حقوق الانسان؟!
أين هي من كلّ شعاراتها البرّاقة؟!
كلّ المؤشّرات تؤكّد تعمّد إظهار ذلك المشهد، وتصوير “الكلاب” على مقاعد الطّائرة، فيما يهرس الافغانيّون تحت عجلات الطّائرة نفسها، يؤكّد طبيعة العقل الفاشيّ الّذي يتحكّم بسلوك الادارة الامريكيّة، فهذه الرّسالة العنصريّة والفوقيّة وصلت لمن يهمّه الأمر، وفحواها: “البقاء للأقوى”، ولا مكان للأخلاق في صراع البقاء.
فهل تقصّدت أميركا ابراز انتصار طالبان لتثبيت اللاستقرار في المنطقة؟
وهل تريد الحفاظ على نماذج التّطرّف الدّينيّ؟!
لم تتّضح بعدُ معالم الدّور المرسوم لحركة طالبان، بنسختها المعدّلة، ولم تتّضح خفايا بنود الاتّفاق الّذي وقّعته مع الادارة الاميركية في الدّوحة في شباط ٢٠٢٠، والمعلن من الاتّفاق لا يتناسب مع الاخراج السّيّء للخروج من أفغانستان، فأميركا الّتي استطاعت التّفاهم مع ألدّ خصومها كانت تستطيع إشراك صنيعتها “الحكومة الأفغانيّة” في المفاوضات، وبالتّالي كانت تستطيع تأمين حلّ سياسيّ وخروج لائق لها ولحلفائها.
وطالبان الطّامحة إلى حكم أفغانستان تسعى إلى تحقيق رضا واعتراف أمريكيّ ودوليّ بها، وبناءً عليه، ثمّة هواجس كثيرة لدى دول الجوار الافغاني، من الخطوة الأمريكيّة النّاقصة، خصوصا ايران والصّين، اللّتان تشكّلان، مع روسيا، محورًا دوليًّا واقليميًّا منافسًا للدّور الدّوليّ والاقليميّ الأمريكيّ، والدّول الثّلاث تتعامل بحذر مع قيادة طالبان وترسل إشارات إيجابيّة باتّجاهها، بعد رسائل التّطمين “الطّالبانيّة” واعلانها عن تخفيف القيود على المواطنين الافغان، واستعدادها لنسج علاقات ودّيّة مع دول الجوار!
الهاجس الأكبر لدى إيران يتمثّل بالخلاف الايديولوجيّ العميق مع طالبان، وطبيعة الصّراع المذهبي في المنطقة، الّذي غذّته أميركا، يحتّم على إيران التّعامل بحذر مع طالبان المتشدّدة والمصدّرة للار- هاب في العقود الماضية، مع الأخذ بعين الاعتبار تعثّر المفاوضات على الملفّ النّووي في فيينا، والقلق من أن توظّف طالبان للضّغط على إيران وتهديد أمنها واستقرارها!
أمّا هاجس الصّين فاقتصاديّ المنشأ، لأنّ أفغانستان تعتبر دولة مهمّة في مبادرة الصّين “الحزام والطّريق” وهو الحلم الصّينيّ الّذي، لو تمّ، سيكرّسها ملكًا على عرش الاقتصاد العالميّ لعقود طويلة، حيث تعدّ أفغانستان الطّريق الأقصر ما بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وما بين الصّين والشّرق الأوسط، وتقع مدينتا “كابول” و “ننغرهار” في صلب طريق المبادرة الصّينيّة، ولاستكمال المشروع الصّينيّ لا بدّ من تأمين استقرار أمنيّ واقتصاديّ في أفغانستان تحديدًا!
الاحتمالات مفتوحة على كلّ الاتّجاهات، ويرى مراقبون بأنّ الخطوة الأمريكيّة، على سوء إخراجها، تمثّل قلقًا حقيقيًّا لكلّ من الصّين وإيران، فهل تنجحان باحتواء حركة طالبان وتطويعها؟ أم تنتصر الحسابات الأمريكيّة القائمة على مبدأ “تحقيق الغاية” بصرف النّظر عن الوسيلة؟!
ربّما نحتاج إلى سنوان للاجابة عن هذه التّساؤلات الّتي ستحدّد شكل الصّراع في المنطقة، وربّما في العالم بأسره!