الدكتور سامر عبدالله – خاص ليبانون تايمز
بدأ التعقيد في المشهد اللبناني منذ صدور القرار 1559 وأصبح هذا التعقيد اليوم مزمنا غير قابل للعلاج بالطرق التقليدية بسبب عوامل متعددة أبرزها رغبة الغرب بالتدخل المباشر في الساحة اللبنانية بعد الإنكفاء الذي حصل منذ عام 1990 لصالح الوجود السوري الذي تكرّس في لبنان بعد مشاركة سوريا في معركة تحرير الكويت.
أرادت واشنطن في لبنان من خلال القرار 1559 ما يلي:
1- إعلان نهاية ما سمي بالوصاية السورية عبر الضغط لسحب الجيش السوري.
2- التدخل المباشر في الإستحقاقات الدستورية وخاصة الإنتخابات النيابية والرئاسية وآلية تشكيل الحكومات.
3- نزح سلاح المقاومة.
وإذا كان إغتيال الرئيس رفيق الحريري قد سرّع من عملية إنسحاب الجيش السوري بدلاً من تطبيق خطة إعادة إنتشار مرحلية حينها، غير أن واشنطن فشلت في تطبيق باقي بنود القرار 1559 ليدخل البلد في إنقسام حاد بين محورين، محور المقاومة ومحور واشنطن.
أثبتت حرب تموز 2006 والنصر الذي حصده لبنان في مواجهة آلة الحرب العدوانية الإسرائيلية أن نزع سلاح المقاومة هو أمر غير ممكن تحقيقه بالقوة العسكرية. كما ثبت لواشنطن أن حصول فريق 14 آذار -حليف واشنطن – على الأغلبية النيابية، وخاصة في إنتخابات عام 2005 لا يمكن أن يساعد سياسياً على ضرب مشروع المقاومة.
وتبين لواشنطن أن الوسائل العسكرية غير قادرة على نزع سلاح المقاومة لا بل أن هذا السلاح قد تضاعف بعد معركة تموز 2006 ، وتبين لها أيضا أن وسائلها السياسية عبر الداخل اللبناني قد فشلت في إسقاط مشروع المقاومة وعلى العكس فقد إنتهى الأمر أن فريق 8 آذار قد حصد الأغلبية النيابية في آخر عملية تشريعية ، لذلك فهي إنتقلت – أي واشنطن وبالتنسيق مع حلفائها في لبنان إلى مشروع جديد هو الحرب الإقتصادية.
لقد إتضح لواشنطن جيدا أن الحرب الإقتصادية قد إنعكست سلبا على الشعب اللبناني وعلى المصارف وعلى النظام الرأسمالي الحر وعلى إستقرار الدولة اللبنانية دون أن يكون بمقدورها أن تترجم هذه الحرب سلبا على قوة حزب الله، ورغم ذلك ما زالت واشنطن مصرة على متابعة حربها الإقتصادية ضد لبنان مع إقتراب الإنهيار التام للمؤسسات والإدارات العامة ، وفي ظل مراهنة البعض على تمرير مشروعهم الفيدرالي في ظل هذه الأزمة الحادة.
لا يخفى أن الساحة في لبنان مفتوحة على الكثير من الإحتمالات أبرزها الفوضى المتنقلة ، هجرة أصحاب الكفاءات ، تسلل بعض العناصر الإرهابية، تنامي الدعوات الإنفصالية. ولكن هل من فرصة للإنهيار التام في لبنان؟.
لا يبدو أن من مصلحة واشنطن حصول الإنهيار التام في لبنان، بل هي تريد إنهيار مبرمج ومدروس حتى يمكن قطف نتائجه بالسياسة، ولذلك فهي سعت لدعم الجيش اللبناني في الوقت الذي أعلن فيه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أن من مصلحته أيضاً – وكرد على واشنطن – وجود جيش قوي ومتماسك في لبنان .
وعلى الصعيد الإقتصادي، ما زالت واشنطن تخشى من تغيير عقيدة النظام الإقتصادي في لبنان. وقد زادت هذه الخشية في ظل حربها الإقتصادية على هذا البلد، ومن المعروف أن القطاع المصرفي اللبناني يدور تاريخيا في فلك واشنطن، وها هو هذا القطاع قد دمّر نفسه بجشعه وقلة وطنيته. ويبدو أن واشنطن رغم حرصها على إستمرار ضغوطها الإقتصادية، فهي لا تريد التفريط المطلق بالقطاع المصرفي، وهي تسعى للحفاظ على خط عودته إلى سابق نشاطه رغم صعوبة ذلك بسبب فقدان الثقة به من قبل المودعين.
وتأتي حرب واشنطن الإقتصادية على لبنان في ظل صمود سوريا بوجه الإرهاب، وبدء عودة سوريا إلى الحضن العربي، وفي ظل فشل مشروع تقسيم سوريا، وفي ظل إعلان رئيسها البارحة إستمرار سوريا على خط مواجهة المشروع الإسرائيلي ومشروع التدخل الغربي في الشرق الأوسط.
بناء على كل ذلك، هل من فرصة للمشروع الفيدرالي في لبنان ؟
لا أعتقد أن أحداً في العالم العربي حاليا له مصلحة بالسير في مشروع تقسيم لبنان، وأعتقد أن الموقف الأكثر حزماً في هذا الشأن هو الموقف المصري لإقتناع مصر أن التفتيت حينها سيمتد إلى كل الدول العربية. وإضافة إلى الموقف المصري يمكن إضافة الموقف السوري الذي واجه تاريخياً مشروع تقسيم لبنان، إلى جانب نجاحه حديثاً في مواجهة مشروع تقسيم سوريا.
كما أن المملكة العربية السعودية تعتبر أن إتفاق الطائف هو أحد إنجازاتها التاريخية، وأن المشروع التقسيمي هو نقيض هذا الإتفاق الذي لم يزل موجوداً، وقد يكون من الصعب جداً إيجاد بديل عنه، إضافة إلى كون الطائفة السنية تتوزع ديمغرافياً وبشكل متوازن في كافة الأراضي اللبنانية، والخطاب الداخلي التاريخي لهذه الطائفة هو وحدوي وليس تقسيمي.
كما أنه ليس من مصلحة حزب الله الجنوح بالبلد نحو التقسيم، بل إن التقسيم هو عكس مشروعه الذي يستند على معادلة جيش وشعب ومقاومة، إضافة إلى كون ثقافة الطائفة الشيعية هي ثقافة تعايش وخاصة منذ أن أسّس الإمام السيد موسى الصدر لمفهوم العيش المشترك، وهذا المشروع لم يزل حاضراً وبقوة ويرعاه رئيس مجلس النواب نبيه بري.
لا يخفى أن محطات صعبة تنتظر اللبنانيين، وأن المشهد الداخلي أصبح أكثر إرتباطاً بمشاكل المنطقة، غير أنه لا يمكن توقع عدوان إسرائيلي ضد لبنان لأسباب متعددة أبرزها العجز الإسرائيلي العسكري منذ حرب تموز 2006 لغاية حرب غزة 2021 ، كما أنه لا يمكن توقع تدخل عسكري أطلسي في لبنان كما حصل في ليبيا لأن بيروت هي عاصمة محور المقاومة، ويكفي الإشارة في هذا الجانب إلى التنسيق الفرنسي الدائم مع حارة حريك تجنباً لأي خطوة غير مسبوقة قد تطيح بكل الدور الفرنسي في لبنان.
إذاً الحوار هو حتمي بين القوى الإقليمية والدولية حول لبنان، مع الإقرار أنه لا يمكن التنبؤ بموعد الإنفراج المقبل، غير أنه ما يمكن قوله أن الحرب الإقتصادية على لبنان بلغت ذروتها ولم تحقق أي هدف من أهدافها وهذا ما تقتنع به القيادة الأميركية الجديدة.
ومع الإشارة أيضاً إلى أن أي إنفراج ملموس على صعيد العلاقات العربية – السورية والعربية – الإيرانية من شأنه أن يطيح بالكثير من العوامل السلبية السائدة في لبنان، ويعيد إحياء الدور العربي في لبنان.