حسن الدّر- ليبانون تايمز
لخّص الكندي “ألان دونو”، أستاذ الفكر النّقدي في العلوم السّياسيّة، لخّص المشهد العام المتحكّم في العالم بعبارة، كانت عنوانًا لكتابه الشّهير: “نظام التّفاهة”، وممّا جاء فيه: “ضع عنك تلك المؤلّفات المعقّدة، لأنّ دفاتر الحسابات سوف تفي بالغرض، لا تُدلِ بأدنى فكرة حسنة، إنّ مِمْزَقة الأوراق تطفح بأمثالها مسبقًا، ولتكن شفتاك مسترخيتين، يجب أن تفكر برخاوة، فقد تغيّرت الأحوال؛ واستولى التّافهون على السّلطة!
والتّافه من الشّيء هو كلّ ما لا قيمة له ولا معنى، و “رجل تافه” يعني غير متّزن ولا قيمة لقوله وفعله!
ومن حسن حظّنا أنّ “دونو” لم يختر بلدًا أو مجتمعًا يُسقط عليه قراءته للواقع، ولو فعل لما وجد مثالًا للتّفاهة أصدق من لبنان في ظلّ عهدٍ عمّم تلك الثّقافة على كلّ مستويات العمل السّياسيّ والاجتماعيّ.
والبحث عن التّفاهة في المشهد السّياسيّ اللّبنانيّ سهل يسير، فالفريق المحيط برئيس الجمهوريّة يوفّر مادّة دسمة من البيانات والتّصريحات والمواقف والخطابات المتناقضة لكلّ باحث عن الحقيقة، يكفي أن تعيد شريط الزّمن بضع سنين إلى الوراء، يوم كان العماد عون هو المخلّص الموعود للبنان وشعبه العظيم، وتقارنها بالانجازات الّتي حقّقها فخامة الرّئيس عون ، نفسه، وفريقه السّياسيّ بعد تولّيه سدّة الرّئاسة، لتجد واقعًا معاكسًا للأحلام الّتي باعوها للنّاس في بازار المزايدات السّياسيّة والطّائفيّة.
ولو أنصف هؤلاء أنفسهم أولًا لاعتذروا من الشّعب اللّبنانيّ، واعترفوا بعجزهم وسوء إدارتهم(إن صدّقنا نزاهتهم وعدم فسادهم).
لكنّهم يخرجون علينا بعبارة تصلح لأن تكون عنوانًا لكتاب آخر عن “نظام السّخافة”: “ما خلّونا نشتغل”!
شمّاعة “ما خلّونا” عذر أقبح من ذنب، فيها إدانة مزدوجة لفريق “العهد القوي”، لأنّ السّلطة تعني الاستخدام الشّرعيّ للقوّة بطريقة مقبولة اجتماعيًّا.
وعليه، من كان على رأس السّلطة، رئيسًا للجمهوريّة، ومن وفّر له حلفاؤه أكثريّة وازنة في كلّ حكومات العهد المتعاقبة، والحكومات السّابقة منذ عام ٢٠٠٥، لا يحقّ له القول “ما خلّونا”، ليهرب من الفشل والاخفاق الذّريع من وزارة الطّاقة وجرّ.
ومن التّفاهة الاختباء خلف حقوق المسيحيين وممارسة فنّ التّعطيل للقوانين والمراسيم من الفئة الرّابعة وصعودًا، بحجّة التّوازن الطّائفيّ.
ألا تدّعون العلمانيّة؟ كيف تستقيم العلمنة مع الطّائفيّة؟
ثمّ كيف ترفضون إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة والذّهاب إلى الدّولة المدنيّة بدءًا من قانون انتخاب لاطائفيّ على أساس النّسبيّة، مع الحفاظ على المناصفة؟!
وكيف تدّعون الحفاظ على حقوق المسيحيين وترفضون المساواة بين المواطنين على أساس الجدارة والكفاءة؟!
ومن نصّبكم ناطقًا باسم المسيحيين؟ نحن اللّبنانيين نسمع مواقف رأس الكنيسة المسيحيّة في لبنان المبنيّة على رفضها لسياساتكم، وحليفكم السّابق الوزير سليمان فرنجيّة الّذي “هشل” من غروركم واستئثاركم، ونقرأ استطلاعات الرّأي الّتي تشير إلى خسارتكم لشريحة عريضة ممّن صدّقوا وعودكم الزّائفة، ونشاهد القيادات الّتي انشقّت عن تيّاركم بعدما فرضتم الصّهر عنوة رئيسًا للتّيّار، حتّى وصفكم أحد أشدّ المدافعين السّابقين عنكم بـ “بائع الوهم”، فعن حقوق مَن تتحدّثون؟!
“الحكي كتير” واللّائحة تطول، لكنّ السّدود الجافّة وبواخر الكهرباء العائمة على بحر الفساد الّتي أوصلتنا إلى ٢٤/٢٤ عتمة تمثّل قمّة التّفاهة، وقد أجادت نائبة رئيس التّيّار التّبرير عندما انتقدت النّاس الّذين ينتقدون فشل التّيّار، وسبب انتقاد النّاس تافه بنظرها وهو أنّ “الكهربا مش عم تجي”!
هناك جرأة غريبة على الكذب، ولو كان “غوبلز” حيًّا لاستعان بشربل خليل الّذي أطلق صاروخًا أقوى من صواريخ السّوخوي، عندما اتّهم الرّئيس نبيه برّي بالحقد على المسيحيين!
ليس من الحكمة دفع تلك التّهمة، لأنّها باطلة بانتفاء شروطها، ومسيحيّو الجنوب أعلم بحرص برّي عليهم حدّ تقديمهم على أبناء طائفته في كثير من المواقف والمشاريع الانمائيّة والوطنيّة.
يقول الامام علي عليه السّلام: “عجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم” تنطبق هذه الحكمة على فخامة الرّئيس عون وعلى معالي الوزير باسيل، اللّذين ظفرا بتأييد شعبيّ عارم عام ٢٠٠٥ وما لبث أن فرّط بحلفائه واحدًا تلو الآخر، ولم يبق سوى حزب الله صابرًا، محتسبًا التزامه بالتّحالف عند الله، لكنّ باسيل لم يعد مقتنعًا باستمرار هذا التّحالف، والرّسائل الّتي يمرّرها للحزب عبر نوّابه وناشطيه ليست خافية على أحد، وقد وصلت حدّ “الدّقّ بالمحرّمات” لأنّه، ببساطة، لم يعد يرى مصلحةً له.