حسن الدّر- خاص ليبانون تايمز
قبل الخوض في تفصيل بياني رئاسة الجهموريّة ورئاسة مجلس النّوّاب، لا بدّ من الوقوف عند حالة الانفصال عن الواقع الّتي تعيشها دوائر قصر بعبدا، وحالة الانفصام الّتي تعكسها التّناقضات الفاضحة في بيانات القصر المتعاقبة، وهذا طبيعيّ، ما دام هناك رئيس صوريّ وآخر فعليّ، الأوّل يعدُ والثّاني ينكثُ واللّبنانيّون يدفعون الأثمان!
الغريب في بيان القصر الجمهوريّ الصّادر بتاريخ يوم الثّلاثاء ١٥ حزيران ٢٠٢١ أنّه تنكّر لمبادرة الرّئيس نبيه برّي، وضعها بداية في خانة “التّدخّلات الّتي تعيق تأليف الحكومة”، ثمّ وفي البيان نفسه يشكر لمرجعيّات والجهات الّتي تتطوّع للمساعدة في تأليف الحكومة، مستخفًّا بعقول اللّبنانيين، وناسفًا كلّ اللّقاءات الّتي عقدها الخليلان مع رئيس الظّلّ، جبران باسيل!
وما دام سيّد القصر يسأل، فمن حقّنا كمواطنين أن نسأله:
هل يضعك صهرك في أجواء التّأليف؟ وهل يطلعك على المشاورات الّتي يقوم بها مع الخليلين لحلّ العقد الّتي يفتعلها؟
أم أنّه يتجاهل وجودك على كرسيّ الرّئاسة ويعمل على تحسين شروطه لخلافتك، من خلال فرض شروطه على تأليف الحكومة العتيدة، ويمعن في تحطيم صورتك وقتل أحلامك الّتي وعدت بها اللّبنانيين؟
ثمّ ادّعيت، يا فخامة الرّئيس، في الفقرة الثّانية من البيان، بأنّ هناك تجاوزًا للقواعد الدّستورية والأصول المعمول بها، ودعوت المرجعيّات الّتي تتطوّع لتسهيل التّشكيل إلى التقيّد بالدّستور وأحكامه، وعدم التّوسّع في تفسيره لتكريس أعراف جديدة ووضع قواعد لا تأتلف معه.
فهل يفقه من كتب البيان روح الدّستور وأحكامه؟ أم أنّه كذب الكذبة وصدّقها؟
هاكم نصّ الدّستور وروحه في بيان رئاسة مجلس النّوّاب، وباسم الشّعب اللّبنانيّ، يضع النّقاط على الحروف، فيما يخصّ عمليّة التّكليف والتّأليف:
- رئيس المجلس يتحرّك باسم الشّعب اللّبنانيّ كونه منتخب مباشرة منه.
- رئيس الحكومة المكلّف هو من يجري الاستشارات النّيابيّة وفق نصّ المادّة ٦٤ من الدّستور.
- يحقّ لرئيس المجلس التّحرّك والمبادرة بناء على طلب الرّئيس المكلّف، وموافقة رئيس الجمهوريّة الّتي حصلت في أكثر من مناسبة.
- لا يحقّ لرئيس الجمهوريّة تسمية وزير واحد، ولا يحقّ له التّصويت في مجلس الوزراء.
- لا يحقّ لرئيس الجمهوريّة رفض التّكليف لأنّ التّكليف جاء من مجلس النّوّاب.
وفي ردّه على بيان عين التّينة، صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهوريّة بيان لا داعي للوقوف كثيرًا عند ما ورد فيه، لأنّه تكرار بليد لسرديّات مملّة، وكما ردّ عليه المكتب الاعلامي لرئيس مجلس النّوّاب: “نودّ أن نصدّقه إذا كان كاتبه يصدّقه”، لكن يجب أن نتوقّف عند ما توقّف عنده مكتب الاعلام وهو الأسلوب غير المألوف لدى الرّئيس نبيه برّي، وهو كذلك فعلًا، وهو إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على أنّ الرّئيس نبيه برّي، ومن يمثّل، قد ضاق ذرعًا بتجاوزاتكم الدّستوريّة، ومحاولتكم البائسة لفرض أعراف جديدة باسم الطّائفيّة البغيضة، الّتي تلعنونها علنًا وتمتطونها سرًّا، وتحاولون من خلالها إعادة عقارب الزّمن عقودًا إلى الوراء.
فيا فخامة الرّئيس، اقرأوا الواقع جيّدًا، واعترفوا بفشلكم، وعجزكم عن تحقيق أهدافكم، يكفي اللّبنانيين ما عانوه سابقًا من حروبكم العبثيّة، وما يعانونه اليوم من سياساتكم الطّائفيّة؛ تواضعوا كما يتواضع لكم حلفاؤكم وشركاؤكم في الوطن.
لقد رفضتم اتّفاق الطّائف سابقًا وفشلتم في تعطيله، ثمّ استغلّيتم دم الشّهيد رفيق الحريري، وعدتم من منفاكم لتشاركوا في العمليّة السّياسيّة وفق بنود الاتّفاق الّذي رفضتموه، وتولّيتم رئاسة الجمهوريّة بالاتّفاق مع الرّئيس سعد الحريري، الّذي انقلبتم عليه، وبدأتم تحاولون، في السّلم، فرض ما عجزتم عنه في الحرب!
ولولا حرص الثّنائي على صون العقد الاجتماعيّ اللّبنانيّ، والحفاظ على ما تبقّى من صيغة لبنان المتعدّدة، لأخذ صهركم وتيّاره حجمه الحقيقيّ، وما كان له أن يأمر وينهى، ويفرض ويرفض، ويفسد ويعربد باسم الحقوق المسيحيّة الّتي يجيّرها لمصالحه الشّخصيّة.
فخامة الرّئيس، نقدّر موقفك، ونتفهّم وقوفك على أطلال تاريخك الّذي هدّمه صهرك، والانتخابات النّيابيّة القادمة ستنبؤكم بما جنته أيدي صهركم، حين يقضي على آخر آمالكم!
وبما أن الرّئيس برّي ختم بيانه بترك الباب مفتوحاً واعتبار المبادرة مستمرّة، فإنّ لقاءً سيعقد اللّيلة بين الوزير باسيل ووفد من حزب الله في محاولة أخيرة لانجاح مبادرة عين التّينة وترطيب الأجواء الجافّة بين الحزب وباسيل.