تحت عنوان “تشاؤم المنطق وتفاؤل في الإرادة” يعرب باحث إسرائيلي بارز عن قلقه على مستقبل إسرائيل في ظل حالة التعادل الديموغرافي بين الفلسطينيين واليهود، ويتوقف عند مفارقة هجرة القيادات الإسرائيلية، مقابل أصلانية القيادات الفلسطينية المولودة في وطنها.
ويستهل الباحث المحاضر في جامعة تل أبيب، البروفيسور شلومو زند، مقاله بالقول: “الفلاحون ليس أصلهم من المحتلين العرب الذين سيطروا على أرض إسرائيل وسوريا في القرن السابع الميلادي… السكان القرويون (اليهود)، رغم أعمال القمع والمعاناة، بقوا على حالهم”، هذا ما قاله دافيد بن غوريون وإسحق بن تسفي في كتابهما “أرض إسرائيل في الماضي والحاضر”، الصادر في 1918. ثم ينتقل لاقتباس وزير الأمن الراحل عام 1956: “ما الذي لدينا كي نحتج به على كراهيتهم الشديدة لنا؟ ثماني سنوات وهم يمكثون في مخيمات اللاجئين في غزة، ونحن أمام عيونهم نقوم بتحويل أراضيهم وقراهم التي عاشوا فيها هم وآباؤهم إلى مستوطنات لنا”، لافتا أن هذه الأقوال أدلى بها موشيه ديان في تأبين جندي إسرائيلي قُتل في ذلك العام يدعى روعي روتنبرغ.
وفي سياق الحديث عن الأرقام، يقول زند إنه في الإحصاء السكاني البريطاني الأول عام 1922، عدّ عرب فلسطين الانتدابية تقريبا 700 ألف نسمة، فيما بلغ تعداد اليهود في البلاد المقدسة في الفترة نفسها أقل من 80 ألف نسمة (أكثر من نصفهم أرثوذوكس غير صهاينة). ويستذكر أنه عند إعلان التقسيم من قبل الأمم المتحدة عام 1947، كان عدد العرب في البلاد 1.25 مليون نسمة، وعدد المهاجرين والمستوطنين اليهود فيها بلغ 600 ألف نسمة (هذا كان بعد أن واصلت أوروبا لفظ اليهود منها والولايات المتحدة أغلقت أبوابها أمامهم).
تجاهل إسرائيل قرارا أمميا بعودة اللاجئين
يستذكر الباحث الإسرائيلي أيضا أنه في خطة التقسيم نفسها، تم تخصيص 43% من مساحة فلسطين لثلثي السكان العرب، مقابل 56 % سيتم تخصيصها للثلث اليهودي (1 % في القدس ومحيطها خصص ليكون منطقة خارج الحدود الإقليمية). ويتابع ساخرا: “رغم إحياء اليباب وخلاص الأراضي، إلا أنه عشية قرار التقسيم فقط 7% من الأراضي الفلسطينية الانتدابية كانت بملكية اليهود”.
ويشير لرفض العرب بحزم قرار التقسيم، الذي حسب رأيهم لم يكن قرارا نزيها. وفي أعقاب ذلك اندلعت الحرب. ويتابع: “في عام 1948 وبعده مباشرة تم تهجير (أو هرب بسبب المعارك) حوالي 750 ألف شخص من عرب المكان. في إسرائيل وفي مناطق حدود خط الهدنة بقي فقط نحو 150 ألف عربي. بعد انتهاء الحرب اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة القرار 194 الذي نص على بدائل لحل مشكلة اللاجئين: عودتهم إلى بيوتهم في أسرع وقت ممكن، أو إعطاء تعويضات عن الأملاك لمن سيفضلون عدم العودة. منذ ذلك الحين وحتى الآن وإسرائيل تتجاهل هذا القرار”.
وحول التهجير والتطهير العرقي، يقول زند إن نحو 450 قرية وبلدة عربية كانت موجودة عشية قيام الدولة، تم محوها تماما في سنوات الدولة الأولى وأراضيها تم تحويلها لسلطاتها وصندوق “الكيرن كييمت”. في المقابل، قال إنه منذ عام 1948 تم إقامة 700 بلدة يهودية ولم تتم إقامة أي بلدة عربية جديدة (باستثناء بلدات معدودة استهدفت تجميع البدو في النقب). ونتيجة السلب والنهب بشتى الطرق، يشير زند أنه داخل حدود الخط الأخضر التي تحدد دولة إسرائيل الآن، بقي في أيدي المواطنين العرب فيها (الذين يشكلون أكثر من 1.5 مليون نسمة) 3.5% من مساحتها.
يشار إلى أن تعداد سكان الضفة الغربية يبلغ حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني، ثلثهم من اللاجئين أو أحفاد اللاجئين. وفي قطاع غزة يعيش حوالي مليوني فلسطيني، أكثر من 70% منهم هم من عائلات لاجئة. وينبه أنه منذ عام 1967 استوطن إلى جانبها في أرجاء الضفة وفي شرقي القدس حوالي 650 ألف إسرائيلي في 250 بلدة وبؤرة استيطانية (الـ8600 مستوطن الذين استوطنوا في قطاع غزة تم إخلاؤهم منه عام 2005).
هجرة بن غوريون
بحسب شلومو زند الذي سبق ووضع كتبا خطيرة حول اختراع الشعب اليهودي واختراع “أرض إسرائيل” فقد ولد دافيد بن غوريون في بولندا، وفي 1906 هاجر إلى فلسطين، أما ليفي أشكول، فقد ولد في أوكرانيا وهاجر إلى فلسطين في 1914. وكذلك غولدا مائير ولدت في أوكرانيا وهاجرت إلى فلسطين من الولايات المتحدة في 1921، بينما الشاعر الصهيوني الأول حاييم نحمان بيالك، فقد ولد في أوكرانيا وهاجر إلى فلسطين عام 1934.
ويمضي زند في استعادة مواطن بقية القيادات الصهيونية: “مناحيم بيغن ولد في روسيا البيضاء، وفقط في 1942 وصل إلى فلسطين. إسحق شمير ولد في بروزنوي قرب لتوانيا وهاجر إلى فلسطين في 1935، وشيمعون بيريز ولد في بفيشنبا، التي كانت في بولندا واليوم توجد في روسيا البيضاء، ووصل إلى فلسطين في 1934. موشيه ديان ولد في دغانيا عام 1915. والده ووالدته وصلا إليها من أوكرانيا في 1908 و1913. إسحق رابين ولد في القدس، والده ووالدته هاجرا إليها من أوكرانيا ومن روسيا البيضاء في 1917. أريئيل شارون ولد في مستوطنة كفار ملال، التي وصل إليها والده ووالدته من بريست لتفيسك، من روسيا البيضاء عام 1920. أما إيهود باراك، فولد في كيبوتس مشمار هشارون، والده ووالدته هاجرا من وارسو ومن ليتوانيا في 1930 و1936. وبنيامين نتنياهو ولد في تل أبيب بعدما هاجر والده إلى فلسطين من وارسو عام 1920.
الفلسطينيون في وطنهم
ضمن المقابلة والمفارقة، يشير الباحث الإسرائيلي زند إلى أن الفلسطينيين وُلدوا في وطنهم ولم يهاجروا له. فيقول إن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش ولد عام 1928 في اللد، وعائلته طردت منها في 1948. أما أحمد جبريل فولد في بلدة يازور، شرقي يافا، التي تم تدميرها عام 1948 وسكانها تم طردهم وأقيمت في المكان بلدة يهودية ورثت أرضها واسمها.
كما يستذكر أن الرئيس محمود عباس ولد عام 1935 في صفد، وعائلته هربت منها عام 1948 إلى سوريا. بينما مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين فولد في 1936 في قرية الجورة قرب مدينة مجدل عسقلان نهاية 1948، وقد طُرد سكانها إلى غزة، وبيوتها أيضا باستثناء بيت واحد، تم تفجيرها. ويشير إلى أن سعيد حمامي ولد في يافا عام 1941 وعائلته هربت إلى الأردن أثناء المعارك في 1948. ويشير إلى شاعر فلسطين محمود درويش، ويقول إنه وُلد في قرية البروة قضاء عكا التي دمرت عام 1948 وعلى أراضيها أقيم كيبوتس يسعور، منوها إلى تهجير عائلة درويش إلى لبنان ولاحقا عادت متسللة إلى البلاد دون أن تحصل فيها على المواطنة. كذلك الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، فقد ولد عام 1947 في قرية يبنا قرب الرملة التي أقيمت عليها مستوطنة “يفنيه” وهرب سكانها إلى غزة في 1948. كذلك يشير إلى أن محمد دحلان ولد في 1961 في مخيم خانيونس للاجئين لكن عائلته “هربت” من بلدة حمامة شمال مجدل عسقلان أما رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية فقد ولد في 1962 في مخيم الشاطئ للاجئين في غزة، عائلته جاءت الى هناك في 1948 من قرية الجورة المذكورة. كذلك قائد حماس في قطاع غزة يحيى السنوار فقد ولد في 1963 داخل مخيم خانيونس للاجئين، عائلته تم طردها من مجدل عسقلان إلى القطاع في 1950 بينما قائد الذراع العسكري لحماس محمد ضيف ولد في 1965 في مخيم خانيونس للاجئين، أصل والده ووالدته من قرية كوكب المدمرة التي كانت تقع شرق مجدل عسقلان.
التاريخ يفاجئ
وبعد تبيان الفارق بين قادة ولدوا في وطنهم وبين مستعمرين هاجروا له من أصقاع الدنيا يشير الباحث بروفيسور شلومو زند إلى تواجد نحو سبعة ملايين يهودي وسبعة ملايين عربي فلسطيني في البلاد بين البحر المتوسط وبين نهر الأردن معتبرا أن الفصل فيما بينهم يبدو أقل فأقل إمكانية. ويتابع “حتى احتمالية قيام كونفيدرالية إسرائيلية – فلسطينية تحاول إصلاح ولو جزء من الظلم التاريخي وإحلال مساواة بين الشعبين اللذين تشكلا في عملية الهجرة والاستيطان، آخذة في الضعف. لم يبق سوى مواصلة أن تكون متشائما في المنطق ومتفائلا في الإرادة. والدي ووالدتي اللذان تم إنقاذهما في اللحظة الأخيرة من جهنم النازية عادا وقالا على مسامعي بأنه رغم العمى والانغلاق إلا أن التاريخ يمكن أن يفاجئ”.