حسن الدر – خاص
دقائق معدودات كانت كافية ليحلّق الرئيس نبيه برّي فوق فلسطين، بمدنها وقراها، وقدسها وأقصاها، مستعينًا بأسماء الشّهداء الحسنى، ليلقي التّحيّة على المقاومين المنتصرين، المرابطين على حدود الكرامة والعزّة من اللّدّ إلى غزّة.
ولأنّ النّصر بالنّصر يذكر، فإنّ الحلم بالنّصر المبين، وتحرير كامل أرض فلسطين، وعاصمتها القدس بات قريبًا، والمعركة الأخيرة فتحت صفحة جديدة في تاريخ الصّراع، وما كان في الماضي وهمًا صار حلمًا وسيكون واقعًا عمّا قريب!
ولأنّ لبنان يحتفي بتحرير أرضه، وتمجيد نصره المنتزع بقوّة حقّ المقاومة، ولأنّ الرّئيس نبيه برّي أحد أعمدة المقاومة المؤسّسين، وصاحب فتوى التّصدّي في خلدة، ومسقط اتّفاق السّابع عشر من أيّار، وصولًا إلى التّحرير عام ٢٠٠٠ ومن ثَمّ قيادة جبهة المقاومة السّياسيّة ليكون شريك النّصر الكامل في تمّوز ٢٠٠٦، ولأنّه رأس المؤسّسة التّشريعيّة، ورئيس حركة إيمانيّة وطنيّة، لكلّ ذلك وأكثر، رسم خارطة الطّريق لتحرير الوطن من احتلالاته الدّاخليّة، وحذّر من اطاحتها بلبنان وكلّ انجازاته، وقد أطاحت!
كعادته، وبقامته الوطنيّة المتعالية على الحسابات الآنيّة، دعا إلى مبادرة سريعة وفوريّة لاستعادة لبنان من فم تنّين الانهيار وتحريره من احتلالات خمسة:
١- احتلال الأنانيّة، وتقديم المصالح الشّخصيّة على المصالح الوطنيّة.
٢- تحرير لبنان من احتلال حقد الطّائفيّة والمذهبيّة، وصيانة مستقبل أبنائه بالعبور إلى الدّولة المدنيّة، من بوّابة قانون انتخابيّ لاطائفيّ، يعتمد الدّوائر الموسّعة، ما دام البعض يخشى خوض الانتخابات على أساس لبنان دائرة واحدة، وانشاء مجلس شيوخ تتمثّل فيه الطّوائف بعدالة.
٣- تحرير المواطن من احتلال الانهيار الاقتصادي، وحفظ أمنه الصّحيّ والغذائيّ، وتحرير ودائع اللّبنانيين المحجوزة أو المهرّبة.
٤- تحرير القضاء من احتلال التّدخّلات السّياسيّة، وإقرار قانون استقلاليّته، وتفعيل الهيئات الرّقابيّة، ومكافحة الفساد، ونهب المال العام، استنادًا إلى القانون الّذي أقرّه المجلس النّيابي، لجهة إجراء التّدقيق الجنائيّ، انطلاقًا من مصرف لبنان، بالتّوازي أو من غير التّوازي مع كلّ الوزارات والصّناديق والمجالس والادارات العامّة، وخاصّة كهرباء لبنان!
بالله عليكم، ابدأوا ساعة شئتم ومن حيث أردتم في هذا التّدقيق، وكفى تضليلًا للنّاس!
٥- أمّا الأهمّ والأسرع والضّروريّ هو الاعتراف بأنّ مشكلتنا الحكوميّة الرّاهنة هي مئة بالمئة، محض داخليّة، وشخصيّة، وأن نملك القدرة على أن نضحّي من أجل لبنان، لا أن نضحّي بلبنان من أجل مصالحنا الشّخصيّة، وأن يبادر المعنيّون لتشكيل حكومة بدون شروط مسبقة، أعضاؤها من ذوي الاختصاص، لا حزبيين، ولا أثلاث معطّلة وفقًا لما نصّت عليه المبادرة الفرنسيّة برنامج عملها الوحيد إنقاذ لبنان واستعادة ثقة أبنائه به وبمؤسّساته، وثقة العالم به وبدوره خاصّة ثقة أشقّائه العرب كلّ العرب، قبل فوات الأوان!
وضع الرّئيس نبيه برّي نقاط الحقيقة على حروف التّضليل، ودحض حجّة المتلطّين بالتّدقيق الجنائيّ، مدّعي العفّة والمجدّفين على الآخرين بتهم الفساد، ثمّ أسقط ذريعتهم بوجود عقدة خارجيّة تحول دون الاتّفاق على التّشكيلة الحكوميّة.
قال الرّئيس برّي كلمته، ولم يمشِ، وقد تعمّد الرّئيس النّبيه التّصريح بالتّلميح، لكي لا يؤخذ عليه انحيازه السّياسيّ في ظرف استثنائيّ يفرض على الضّنين بالوطن التّعالي فوق موجبات النّكايات والفتن.
أمّا الممعن في ممارسة هواية التّعطيل، والمجازفة بما تبقّى من نسيج اجتماعيّ ووطنيّ، لكرسيّ في نفسه، فهو أشهر من نار على علم!