النهار ـ ابراهيم حيدر
يشهد الوضع اللبناني محاولات لترتيب العلاقة بين أركان التسوية السياسية خصوصاً بين قطبيها “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” على قاعدة مصالح متبادلة في الحكم. يجري هذا الترتيب وفق الأولويات، إذ لكل طرف طائفي موقعه في المعادلة وإمكاناته. فإذا كان الثنائي الشيعي ضامناً لموقعه في الحكم، وأحد طرفيه، أي “حزب الله”، قادر على قلب المعادلات بفائض قوته، فإن ركنَي التسوية يتعاملان معه على هذا الأساس، في حين أن موقع الرئيس نبيه بري مكرس بالسلطة التشريعية ولا أحد يستطيع مد يده الى صلاحياته. يبقى وليد جنبلاط الذي لا يزال يشكل الحالة الاعتراضية على محاولات الإطباق على البلد، فيما اقتنع سمير جعجع بأن الوضع لا يحتمل خوض معارك في ظل موازين القوى الراهنة، فاكتفى بمن يمثله في الحكومة ومجلس النواب من دون أن يبادر الى الاعتراض خوفاً من استفراده في الساحة المسيحية وإقصائه لبنانياً.
ليس ثمة تحرّك سياسي اعتراضي ضد ما يُرسم للبلد، وفق مصدر سياسي متابع، ويقول إن تغييرات ستحدث في الحكم بعد اقرار الموازنة في مجلس النواب وتكرّس أمراً واقعاً جديداً. فالمشهد وفق قواعد التسوية والممارسات التي أعقبتها أعطت رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره السياسي القدرة على فرض ما يريدان، من التمثيل الحكومي الى خطط أقرت في مجلس الوزراء، ثم التحكم في قرارات الحكومة، وصولاً الى التعيينات. ويلقى العهد وتياره برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل دعماً مطلقاً من “حزب الله” الذي فوّض الى الأخير التعامل مع الملفات الخارجية في ما يتعلق بالمقاومة والحزب.
ينقل المصدر السياسي عن جهات على صلة بموقعَي الرئاسة ان التحالف المتجدد اليوم بين الحريري وباسيل يرتكز على حفظ التسوية التي يقرأها كل واحد منهما بطريقته. الأقوى هو الذي يستمد من العهد قوة تستطيع ان تحرج الحريري وتسحب منه الكثير، فيما الأخير لديه سقف يتعلق بموقع رئاسة الحكومة وإنجاز “سيدر”. وفي المقابل ليس هناك من حركة اعتراضية فاعلة من الذين يتعرضون للتهميش، وليس من خارج الحكم.
التسوية هي الأساس وفق قناعاته، ولا يخفي امام مقربين منه أنه مستعد لتقديم الكثير للحفاظ عليها. لا بديل للحريري من رئاسة الحكومة، فهي مرجعية موقعه للحفاظ على تمثيله للسنية السياسية. حسم تحالفه مع العهد، وان كان ذلك يستدعي فتح النار على جنبلاط، وبما أن لا داعي للخلاف مع باسيل ولا مع الرئيس عون وإن كان يسعى الى تعديل الصلاحيات بالأمر الواقع والأخذ من الطائف ما يكرس تقاليد جديدة، فإن هناك مَن يشاغب على خياراته وإن كان حليفاً. لذا الحفاظ على التسوية لا يتم الا مع عون، وبالتالي ان من يدعو الحريري الى نسفها او اتخاذ موقف من ملفات إشكالية يدفع الأمور نحو الانفجار، ليظهر أن المشكلة مع جنبلاط تبين انحياز الحريري لمصلحة التسوية الأولى ورئيسها في بعبدا الذي يحسب أن هناك معارضين لجنبلاط لهم حصصهم وهم يشكلون حالة ضغط على زعيم المختارة.
لكن اعتراض جنبلاط على ممارسات الحريري السياسية، ليست وفق المصدر، لإضعاف موقعه، إنما لتعزيزه في التسوية. فيما وجهة نظر الحريري تقول إن جنبلاط يتدخل في شؤون مرجعيته، وهو يريد أكثر من تمثيله، ما يعني ان الأول عليه أن يدرج نفسه في التسوية ويقبل بالأمر الواقع. ولكن لا خيار أمام جنبلاط إلا المواجهة، وفق المصدر، مرة بالاندفاع والهجوم، وثانية بالتهدئة ولملمة الأمور والتسويات، خصوصاً أنه مستهدف في بيئته، مرة بمساهمة “حزب الله” ورعايته لهذا الاستهداف عبر خرق التمثيل الدرزي، ومرة أخرى في محاصرته عبر تحالف “المستقبل” والتيار الوطني الحر” على مسارات عدة، انتخابية وفي الصراع في الجبل وتوازناته. وما يقلق جنبلاط أن محور الممانعة يسعى في الحصيلة النهائية إلى الإمساك بالنظام عبر فكفكته أولاً واستثمار التسوية لفرض معادلات جديدة.
وإذا كان جعجع يعلم أنه يتعرض لمحاولة حصار في الكثير من الملفات، وهو لا يستطيع حتى الآن سلوك طريق آخر خوفاً من استفراده مسيحياً وإقصائه، فإن جنبلاط يشعر أن الأمور ذاهبة الى مزيد من حصاره وسحب عناصر قوته وتأثيره، خصوصاً أن المرحلة المقبلة ستشهد استحقاقات يسبقها ترتيب الحكم، فبعد اقرار الموازنة هناك المزيد من الضغوط لإمرار مشاريع تكرس وقائع جديدة في البلد.