حسن الدّر – خاص
حاروا وداروا حول أنفسهم على مدى ستّة أشهر، حتّى داخوا ودوّخوا اللّبنانيّين داخل دوّامة الثّلث الضّامن وحكومة الاختصاصيين، إلى أن دارت محرّكات عين التّينة، وكعادته، اجترح الرّئيس نبيه برّي صيغة لبنانيّة محضة، تراعي هواجس الاطراف المتجاذبة.
فبعد صمت ثقيل، وبعد متابعة حثيثة للمواقف المتباينة حدّ التّصادم، دوّر الرّئيس برّي زوايا الخلافات، وأمسك عصا التّأليف من المنتصف، وقدّم صيغة لا ظالم فيها ولا مظلوم، إذا كانت العقدة لبنانيّة لبنانيّة كما يزعمون!
صيغة يربح فيها السّاسة ثقة النّاس بوطنيّتهم، ويربح فيها المواطنون شيئًا من الأمل بتخفيف أعباء الكارثة المحدقة بأمنهم الاقتصاديّ والاجتماعيّ، فهل يتلقّف المعنيّون الفرصة؟
تفيد المصادر المتابعة بأنّ الرّئيس المكلّف تنازل عن شرط ١٨ وزيرًا، على أن تسند كلّ حقيبة إلى وزير مختصّ في حكومة من ٢٤ وزيرًا، ووافق على مشاركة رئيس الجمهوريّة في اختيار الوزراء، فيما لم يعطِ رئيس الجمهوريّة موافقة عمليّة على التّخلّي عن الثّلث الضّامن.
مصادر قصر بعبدا قالت بأنّ أحدًا لم يضع الرّئيس في أجواء المبادرة العتيدة، لكنّ المعلومات تفيد بأنّ حزب الله سيتولّى تلك المهمّة، في محاولة منه لانجاح مبادرة الرّئيس نبيه برّي.
أمام هذا الواقع، يضع الرّئيس برّي الجميع على محكّ المصلحة الوطنيّة، فأمام الانهيار المتسارع، لا مكان لترف المناورات السّياسيّة الضّيّقة، ولا جدوى من تسجيل النّقاط في لعبة يخسر فيها اللّبنانيّ، ويزداد بؤسًا ساعة بساعة، الهيكل يتداعى، وإذا سقط سنخسر الكيان برمّته!
المثير للقلق ربط الأزمة اللّبنانيّة بأزمات الاقليم، وهذا ما تشير إليه مجريات الأمور، ومن الواضح أنّ شيئًا لم يتغيّر، وأنّ قواعد الاشتباك الاقليميّة لا تزال على حالها، بل إنّ القوى المتصارعة تعمل على لملمة أوراق قوّتها بانتظار نضوج الظّروف المؤاتية للجلوس إلى طاولة المفاوضات، والّتي ستأخذ وقتًا طويلًا؛ فهل نملك القدرة على الصّبر في ظلّ استفحال الغلاء المعيشي، وازدياد حدّة الانقسام الدّاخليّ؟! وماذا لو صحّت المعلومات الّتي تتحدّث عن تغلغل عناصر داعشيّة في لبنان، خصوصًا بعد استعادة المجموعات الارهابيّة لنشاطها في بؤر الصّراع المحيطة بلبنان؟!
من البداهة القول، بأنّ الحكومة ليست حلًّا سحريًّا، لكنّها أفضل الممكن، ويمكن أن توفّر الحدّ الأدنى من الاستقرار السّياسيّ، وبالتّالي، قد تعطي أملًا بتوافق داخليّ يفتح الباب أمام انفراج اقتصاديّ مهما كان ضئيلًا.. وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه!