رفال صبري – ليبانون تايمز
نحنُ محاطون بالضّغوطات من كلّ مكان، حياتنا مليئة بالتوتّر والخوف، وبعضنا تلفّه الكآبة من كلّ حدبٍ وصوب…
خلف هذه المشاعر والأحاسيس خبايا مخفيّة لا يعرفها الكثير، فقد يظنّ البعض أنّ التوتّر هو مجّرد حالة نفسية يمرّ بها الإنسان من وقتٍ إلى آخر، لكن في الحقيقة هذه الضّغوطات النّفسية هي أكبر ممّا تبدو عليه وأعمق من أن تكون مجرّد شعورٍ عابر.
على الرّغم من الكتابات والأبحاث المختلفة حول الضّغط النّفسي من قبل الباحثين والعلماء والمهتمّين بالصحّة النّفسيّة، إلّا أنّ كلمة “الضّغط” لا تعني الشيء نفسه بالنّسبة للجميع.
لكن إذا أردنا حصر هذه التّعريفات ونقاط التّشابه بينها، يمكن القول بأنّ الضّغط النّفسي هو الحمل الّذي يقع على عاتق الإنسانعندما يمرّ بظروفٍ جديدةٍ لم يعتد عليها من قبل بسبب متطلّبات الحياة: العمل، العائلة أو مختلف الظّروف المحيطة به، وما تخلّفههذه الظّروف من تداعياتٍ وإستجاباتٍ لدى الإنسان كي يتأقلم معها… وعندما تفوق طاقته وقدرته على التحمّل تنشأ لديه حالة من الخوف والقلق تستمرّ لتتحوّل إلى ضغوطاتٍ نفسيّةٍ فيما بعد.
يشرح الدّكتور سركيس أبي طنّوس، الإختصاصي في التّأهيل الفكري و النفسي والعلاج الإنشغالي؛ كيف يتحوّل الضّغط النّفسيمن عارض إلى حالة مرضيّة.
يقول “أبي طنّوس”: “في حياتنا الطّبيعيّة كلّنا نعاني من الضغوطات وهذا أمرٌ طبيعي جدًّا، لأنّ وجود الضغط في حياة الإنسان هو بمثابة محفّزٍ له للقيام بأعماله، ونشاطاته… لكن عندما تؤثّر هذه الضّغوطات على صحّة الإنسان النفسيّة والجسديّة يصبح ضغطًا سلبيًّا ويتحوّل من الحالة الطّبيعيّة إلى مرضٍ أو مسبّبٍ للعديد من الأمراض. وذلك يعتمد على كميّة التوتّر، وعلى مدّته”.
من هنا، نجد أنّ هناك نوعان من الضغوطات، وهي الضغوطات ذات المدة القصيرة أو المؤقّتة، والضّغوطات ذات المدّة الطّويلة أو المزمنة على حدّ قوله.
تُثير هذه المعلومات القلق في نفوس النّاس، فكيف نستطيع أن نميّز ما إذا كنّا نمرّ بعارضٍ نفسيّ أو نحن أساسًا نُعاني من ضغوطاتٍ نفسيّة مزمنة؟
الإجابة على هذا التّساؤل ليست ببعيدة، فالدّكتور ” أبي طنّوس” يقسّم العوارض الّتي تظهر على مرضى الضّغط النّفسي إلى قسمين.
بدايةً مع العوارض قصيرة المدى والّتي تظهر على الإنسان مباشرةً كألم في الرّأس، مشاكل في الجهاز الهضمي، فرط أو فقدان للشهيّة، أرق، تعب مزمن، آلام في الظّهر، مشاكل في العظام والمفاصل… وهي ما يُسمّيها بالعوارض النّفس جسديّة.
بالإضافة إلى النّسيان، ضعف القدرة على التّركيز، الغضب، القلق، والإكتئاب، وهذه عوارض نفسيّة بحتة.
بينما الأعراض طويلة المدى – أيّ الّتي تظهر بعد فترةٍ طويلة من الضّغوطات المستمرّة – فتسبّب أمراضًا فعليّة كزيادة الوزن،السكري، مشاكل في القلب، ضغط الدّم المرتفع، آلام في الظهر والرقبة…
بعد كلّ ذلك، هل لا زلت نظرتك نحو الضّغط والتوتّر هي نفسها؟ على ما يبدو أصبح من الواجب النّظر إلى هذين الأمرين بطريقةٍ أكثر جديّة!
لا تقتصر آثار التوتّر على هذه الأعراض فحسب، تتعدّد أسباب الضّغوطات وتبقى نتيجتها على صحّة الأنسان واحدة.
في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، لاحظ العالمان “جانكي ورولاند جلاسر” أن الطلاب الذين يتوترون في فترة الامتحانات النهائية، تقل لديهم المناعة الجسمية بشكلٍ ملحوظ. وقد أثبتا ذلك مخبريًا، إذ لاحظا أن أجسام الطلاب المتوترين توقّفت تقريبًا عن إفراز العناصر المساهمة في المناعة…
ومنذ ذلك الحين توالت الدّراسات في هذا المضمار خارجةً باستنتاجاتٍ تجريبية دامغة على العلاقة العكسية ما بين منسوب التوتر والخوف لدى الفرد وأداء جهازه المناعي بشكل عام.
يشرح “أبي طنّوس”، أنّه عندما يمرّ الإنسان بضغوطاتٍ حادّةيصبح الجسم في حالة إستنفار، فيفرز كميّات عالية من هرمونات الأدرينالين، الكورتيزول، والأوسيتوسين.
والإرتفاع المستمرّ في هذه الهرمونات يُضعف قدرة جهاز المناعة عن المقاومة، ممّا يجعل الجسم قابلًا لتلقّي الإلتهابات، ويُصاب بتقرّحاتٍ في المعدة، واضطرابات في الغدد.
ماذا نفعل إذًا؟ فمعظمنا لا يستطيع السّيطرة على مشاعره ولاضبط توتّره… نعيش وسط مجتمعاتٍ تضغط علينا كلّ يومٍ أكثر فأكثر، الوضع الاقتصادي السّيء، الخوف من المرض في حالة فيروس كورونا، عدم الشّعور بالأمان الصحّي والأمني وغيرها الكثير…
“العلاج الأساسي للضغط النفسي هو مواجهته، ومعرفة أسبابه”بهذه البساطة يشرح الدّكتور سركيس كيف يمكن أن نُعالج أنفسنا بأنفسنا من مشكلة التوتّر.
ينصح بوجود نظام حياة جيّد، العمل في ظروف مريحة، أن يتمتّع الفرد بحياة إجتماعيّة وعائليّة سليمة ومنتظمة.
كما ويؤكّد على ضرورة ممارسة الرّياضة، معتبرًا إيّاها العلاج في حدّ ذاته… فخلال القيام بالأنشطة الرّياضية يفرز الجسم مجموعة من الهرمونات أبرزها هرمونيّ السيروتونين والأوندورفين أو ما يُطلق عليهما بهرمونيّ السّعادة، حيث يمنحان الشعور بالرّاحة والفرح؛ وفي المقابل إنّ الرّياضة تساهم في إنخفاض نسبة هرمون الكورتيزول وبالتالي تقلّل من حدّة الضغوطات النفسية والّتي بدورها تحسّن من المزاج.
إذا حاولنا وحاولنا ألّا نتأثّر بمحيطنا، وإبتعدنا قدر الإمكان عنمصادر الضّغوطات وأسبابها لكن لم نفلح بتخفيف تداعياتها؛ فما الحلّ إذًا؟ وكيف يتمّ العلاج؟
يُجيب “أبي طنّوس”: هناك العديد من الخطوات العلاجيّة الّتي يمكن إعتمادها للتخلّص من التوتّر؛ يبدأ المريض مع المراحل الخفيفة وإذْ لم تنجح ينتقل منها إلى العلاجات المعمّقة”.
بدايةً مع محاولة الإبتعاد عن مصادر الضّغط النّفسي قدر المستطاع، أو ممارسة الهوايات والنّشاطات، وإذا إستمرّ المريضعلى حاله يلجأ إلى العلاج بالممارسة، العلاج الإنشغالي، أو العلاج عبر التّأهيل الفكري والنّفسي… وهنا إنّ لم يكن جسده يستجيب إلى هذه العلاجات أيضًا فلا بدّ من زيارة الطّبيب النّفسي وربّما العلاج بالدّواء.
ففي هكذا حالات يكون الفرد مشوشًا ولا يستطيع أن يرى ما يدورحوله وبالتالي لا يمكنه إدراك مسببات الضغوطات لديه، وهنا يكمن دور هؤلاء المختصّين عبر توجيهه وإرشاده لمعرفة هذه الأسباب ودفعه نحو إتّخاذ الخطوات والقرارات الّتي تساعده في حلّ مشكلته.
بينما نحن نبحث ونفتّش عن السّعادة في العمق بإمكاننا أن نجدها في أبسط الأشياء، طريقة تفكيرنا وأسلوب حياتنا لا يُغيّران من حقيقة المشكلات الّني نعيشها لكن الخوف والقلق يمكن أن يدمّرانا وأن يسلبانا هذه الحياة.
فلا تستهين أبدًا بقدرة العقل الهادئ والمطمئن في القضاء على العديد من الأمراض والأعراض الّتي تُعاني منها.