بقلم الدكتور جورج كلَّاس- خاص
{تعالوا الى الكلمة الطيِّبَة}
شكل بيان السابع عشر من أذار 2021 والذي أصدره المجلس الرئاسي لحركة أمل، بمناسبة العيد السابع والأربعين لتأسيسها، مادة غَنيَّة لقراءاتٍ مُختلِفة من قبل معنيين بالحالة السياسية والإجتماعية، و مُهتَّمين بسلامة الوطن، وقلقين على الحاضر وخائفين مَنْ المستقبل.
هذا النداء إرتقى من ( بيانٍ حرَكيٍّ ) الى مستوى { بيانٍ وطنيٍّ}.
العبارة التي رَصَّعتْ هذا البيان وجعلته بمصافِ (النداء الكياني الإنذاري والتحذيري)، هي:
”لبنان ضرورة حضارية للعالم وللإنسانية”..!
انا أجزم ان احداً لمْ يطلق هذا الموقف او هذا (البيان الوطني) سابقاً. واعتقد انه سيكون أمراً جيِّداً من الان وصاعداً إستثمارُ هذه العبارة والبناء عليها.
وإنه لمن المفيد في هذا الظرف المأزوم، ترجمة هذا البيان الى الأجنبية وتوزيعه حيث يجب، لأن فيه دلالات كيانية، وتُقدِّمُ مفهوماً ومعنىً جديداً وتَصويبياً للبنان..!
في ظلِّ الأزماتِ المُتناسِلةِ والتي يتنقَّلُ فيها لبنانُ من حالة المأزومية السياسية الى حالة المأزقيََة الوطنية، يُمكِنُ تقديم (قراءة وطنية) لمضمون البيان، هذه مُحدَّداتُها:
١- أكّد على ثلاثية:{ المُنطلقات} التي بدأت منها الحركة، و{لثوابِت} التي تُرافِقُ مسيرتها، و{الانتظارات}التي ترنو اليها أوْ تتخوَّف من إنعكاساتها على مستقبلِ الوطن.
٢- يَظْهرُ بوضوح إستخدامُ مُصطلحٍ تعبيري جديد وغير مسبوق، في إطارِ إعلان المواقف، هو أن {لبنان الضرورة الحضارية للعالم والإنسانية}، وهذا ما يؤكِّدُ إيلاءِ الشأن الكِيانِيِّ إهتماماً مُرَكَّزاً، من التعابير والمفردات الصلبة، والتي يصعبُ تأويلُها على غير مقاصدها.
٣-يحمل (النداء -البيان ) أَرْبَعَةَ مُستَويات من المواقف تتكاملُ مع بعضها لِتُشكِّلَ (الرؤية الوطنية للحركة) وِفق الترسيمة التالية:
أ- المستوى الدستوري، وغايته (الإحتكام الى الدستو والعمل بموجبه، ومنع رَهن الوطن و خطر الإرتهان)؛
ب- المستوى الكياني، والتركيزُ من خِلالهِ على مبدأين أساسييّّن متلازمين هما: التأكيد على مبدأ ( نهائية لبنان وطناً لكل اللبنانيين)، وإعتماد (الكِيانيّة الوطنية) في توصيف الحالة الوطنية التي يجب أن تحكم العلاقة بين اللبنانيين. إضافةً الى إطلاق التحذير من ثلاثية، التقاسم و الإنقسام والتقسيم، وهذا الأمرُ يُشكِّلُ (أَمرَ مهمَّة وطني)، بعيداً عن إلإنشغالات، والدعوة الى تحمُّلِ المسؤوليات والاسراع لإتخاذ وقفة تاريخية في هذا الظرف المصيري الشديد الدِقّة، بعيدا عن سياسة الكَيْدِ والرَهنِ والإرتهان القاتلة للصيغة والمُهدِّدَةِ للكيان.
ج- مُستوى التلاقي الحضاري والتكامل الإنساني، و في ذلك دعوةٌ الى الإرتقاء بلبنان من (رُتبَةِ بَلَدٍ) تتعايشُ فيه طوائفُ ومذاهب، الى (رُتبَةِ وطن)، تتلاقى فيه الجماعات المُتنوِّعةُ لتُشكِّلَ مُجتمعاً نوعياً تتكامل فيه الحضارات والثقافات لِتُؤلِّفَ نموذجاً لوطن التلاقياتِ الروحية.
د- المَبدأيَّةُ السياسيَّةُ والقيم الوطنية، التي يجب أن تنتظِمَ العلاقات بين القوى السياسية فتكون الآمالُ مَعقُودَةً (للتضحية من أجل لبنان، لا أن نُضَحّي بلبنان)، من خلال حكومة تكون كل أثلاثُها للبنان، والاسراع بتشكيل حكومة قادرة على إستعادة الثقة و طَمأَنَةِ الناس على حاضرهم، وعدم الكفر بتاريخهم، و منع الخوف من مُستقبلهم وضرورة الإبتعاد عَنْ الأنانية السياسية القاتلة للحياة السياسية الشريفة.
التلاقي والإختلاف { تعاولوا الى الكلمة الطيِّبة }..!
٤-التكامليةُ في محتويات النداء و مضامينه جاءَت واضحة من خلال التحذير من إنعكاسات المناكفات والرهانات السياسية لدى البعض على الوضع المالي والإقتصادي والاجتماعي الذي يُنذِرُ بعواقب قاسية ، كما من خلال دعوة اللبنانيين للإنتصار للوطن.
٥- التأكيد على الحفاظ على الصدقية اللبنانية للمجتمع اللبناني تجاه المبادرات الدولية، و إعلان الحركة التمسك بالمبادرة الفرنسية والاسراع بتشكيل الحكومة وفق النص الدستوري.
إن شموليَّةَ النداء على عناوين إنقاذية تحذيرات من التلاعب بمصير لبنان، إِستُكْمِلتْ بجهوزيَّة (الحركة) للدفاع عن لبنان وفق الدستور والقانون ومنع تقويض الكيان. وفي ذلك إلتزامٌ صريحٌ بإتِّباع الحركة للمسيرة الوطنية للحركة التي أنطلقت من المسار الفكري للأمام موسى الصدر، أَوَّلَ مَنْ تحدَّثَ عن (النهائية الوطنية لكل اللبنانيين)، والذي يُستَكمله اليوم دولة الرئيس نبيه برّي بالتركيز ثابتتَيْن: الكيانية اللبنانية، والتكامل الوطني.