زياد الزين
مع انتهاء بروتوكولات عيد رأس السنة الميلادية المزينة بهذيان هستيري؛ ضارب في الأصول والفروع؛ تغلبت الغرائزية على التوازن الروحي؛ وانتشرت الفوضى المجتمعية لدرجة العبثية في مقاربة طريقة ونهج حياة؛ ما أدى إلى ارتفاع تلقائي لنسب ومعدلات الاصابة بوباء كورونا. دخل البلد على أثرها في اقفال غير ممنهج لا في القرار ولا في تطبيقاته؛ ودون أي ايجابية تسجل هنا؛ سوى اخراج الطاقم الطبي والاستشفائي من عنق الموت الرحيم. وكان من اولى تجلياته المزيد من الانهيار الاقتصادي والسكوت المطبق للعديد من المؤسسات وخاصة في القطاع الخاص والتهرب الوظيفي وصولا الى البطالة الممنوعة من الصرف التي بالتأكيد ما عادت مقنعة في جميع تصنيفاتها.
نجحت الحكومة المستقيلة من كل ادوارها في استقدام انواع من اللقاح تحضيرا لمواجهة شرسة وصولا الى المناعة المجتمعية الكاملة خلال عام. ومع تعدد انواع اللقاحات تعددت السيناريوهات وتضاربت المنصات ومعها طبعا سقطت هيبة قرارات كثيرة وفي مقدمها الوحدة في القرار السياسي الحكومي وترتيب الاولويات لجهة الفئات المستهدفة. ومعها ايضا ودائما تظاهرات الاعلان والاعلام والمؤتمرات الصحفية المدوية، كل منها له صداه في واد … وعلى أي حال لست ممن يتسلقون على مهنة الغير.
فكل هذه المقدمة يراد من خلالها مقاربة الوباء السياسي الحاد ومقايضته باللقاح الانجع. نحن في مرحلة أشبه بمريض ينام في سرير مشفى ويكبّد طاقماً كاملا جهد عنايته ويصر على رفض تلقي العلاج ما لم تضمن الجهات المسؤولة شفاءه مسبقا. وهو يرفض توقيع الخضوع الى اي عملية جراحية لانها ليست للتجميل. في هذه الذهنية من التنكر والتعالي والنكد، كيف يمكن لأي طبيب ان يرسم مسار العلاج وطبيعة الوصفة الطبية؟ كيف لنا ان نقنع جوعا بأن الامعاء الخاوية ليست مناورة ولا حصانة؟ هناك حراك سياسي مشلول بسبب نوبة صرع دماغية عند من يظنون او يحلمون او يتباهون ان لا لقاح سياسي ينفع الا في حالة واحدة: ان يقوموا بأنفسهم باستيراده اقليميا واختباره محليا ومطابقته لمواصفات الثلث الالزامي في تركيبته المخبرية وفق دفتر الشروط المرجعية، ومن ثم تسويقه وفق معايير بعيدة عن الموضوعية وفي قمة الاستنسابية لانها مفصلة على قياس الطموحات الشخصية ذات اللون الواحد. وكلما تقدم الخطاب الموزون خطوة، كلما قابلنا خطاب الأسر والتهويل وذر الرماد في العيون. لم يعد البلد يحتمل مناورات فردية، لم يعد يجوز ان لا نحتكم الى الناس. ان نحر المؤسسات واحدة تلو الأخرى وآخرها التشكيك بآداء المجلس النيابي شيك غير قابل للصرف. المؤسسة التشريعية الأم هي المرآة القادرة على تعرية اي اتهام باعتبارها مرجعية القانون. وبالقياس الى مخزون ما أقرته من قوانين، فاننا نحسم ان المواطنية، الانتاجية والشراكة كلها تحت هذا السقف.
وما دمنا نتحدث عن اللقاح فالعقم في مكان آخر. ليست السياسة معنى للشيطنة والتذاكي والتبرع بالدم الفاسد لكنها دائما مقر ودار للحكمة. لا بل بالتأكيد المؤرخ المسند، هي منبراً متاحاً للتنازل عن الانانيات. السياسة الإصلاحية تقتضي العمل مع الشعب المقهور البائس في اعادة برمجة ثقته بالدولة والمؤسسات، بدلا من دفعه عنوة ؛ للنزول الى الشارع ثم التباكي على الألم في ان البلد أصبح خرائط مقطع الأوصال؛ التي يبدو أنها تغري البعض لانها تحمل معها شغف اللامركزية المطلقة من دون أي ضوابط.
المطلوب احتواء منطق تشكيل حكومة انقاذ سريعة؛ او السحر والشعوذة ضمن منطق الاستسلام لنهج عرقلة تشكيل حكومة بانتظار وعود واوهام ؛ ستفقد لبنان كيانية وجوده. في كل هذا السرد هناك مكمن قوة واحد: رجل العقل والعلم والحلم، لبنان يعول عليك كثيرا.. حماك الله ورعاك.