بقلم الدكتور سامر ماهر عبدالله – خاص
أصبح من الواضح جدا أن عيوبا جوهرية بنيوية تعطل الصيغة اللبنانية ، الأمر الذي إنعكس سلبا على الأداء السياسي اللبناني العام ، وعلى مستوى الأداء الإداري – الإقتصادي – الإجتماعي ، وصولا إلى المرحلة الراهنة حيث تعطلت الحياة السياسية بشكل يهدد البلد بالفشل التام .
وإذا حاولنا تركيز هذا العرض في المرحلة اللاحقة للعام ٢٠٠٤ ، نجد أن كثرا عملوا لتدويل الأزمة اللبنانية ولكن النتيجة كانت عبارة عن آليات للمتاجرة بالقضية اللبنانية وتشويه جوهرها.
وللتذكير ، فإن المجتمع الدولي لم يستطع إقناع أو إجبار إسرائيل على الإنسحاب من الأراضي التي كانت تحتلها في الجنوب والبقاع الغربي ، لتنسحب لاحقا بعد هزيمتها على يد الشعب اللبناني .
وبالنسبة لقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فهل يمكن لدعاة التدويل مثلا، أن يحاولوا عبر المجتمع الدولي في جعل مسألة عودتهم إلى ديارهم بندا أولا في المفاوضات المرتقبة لحل الدولتين ، والتي يزمع الرئيس بايدن على إستئنافها ؟ .
وهل يستطيع دعاة التدويل أيضا إقناع واشنطن والإتحاد الأوروبي بضرورة إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم مع توقف أغلب الأعمال الحربية هناك ؟ مع العلم أن مطلب الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي هو دمج النازحين في لبنان إجتماعيا وإقتصاديا وتجنيسهم ، وأن أركان التدويل اللبنانيون أكثر من يعرف بهذه المسألة الخطيرة ، ورغم ذلك فإنهم يقفزون فوقها ، أو يمرون عليها في مواقفهم وتصريحاتهم مرور الكرام .
ولنكن صريحين ، فإن دعاة التدويل يريدون ملفا دوليا سيستخدم ضد فريق يمثل نصف اللبنانيين لمجرد أنهم يختلفون معه بالسياسة . وهذا الأمر سيكشف لبنان أمام تحديات كبيرة.
سؤال آخر ، كيف يطالب البعض بمؤتمر دولي لمناقشة الأزمة اللبنانية ، وفي ذات الوقت يرفض هذا البعض ذاته إستكمال مقررات إتفاق الطائف الذي أتى نتيجة تسوية عربية لها أبعاد دولية ؟.
إن حقيقة الأمر أن البعض عنده تصورا معينا لمستقبل لبنان ، ويسعى لتغليفه بمؤتمر دولي ، من أجل فرضه على باقي اللبنانيين ، ودون أن يناقشهم في مشروعه مسبقا .
إن المسألة اللبنانية اليوم بحاجة إلى الصراحة ، وإلى مناقشة أي صيغة جديدة مهما كان حجمها في الداخل قبل تصديرها للخارج .
وعن أي خارج نتحدث ؟ وهل يقصد بذلك الدول الكبرى ؟ أو الناتو حصرا ؟.
للتذكير فقط ، فإن التدخل الدولي دمر العراق وسوريا وليبيا ، وقتل وهجر ملايين المواطنين الذين كانوا آمنين .
وإذا كانوا يريدون التدويل من أجل ما يسمى ” التدخل الديمقراطي ” ، فمبادرة الرئيس نبيه بري بالنسبة للدولة المدنية جاهزة ومستمرة ولماذا لا يتم تبنيها من قبلهم ؟.
وإذا كانوا يريدون التدويل من أجل المساعدة في ” بناء دولة ” ، فإن نصوص الطائف ما زالت تنتظر من يطبقها لا سيما لناحية البرلمان خارج القيد الطائفي .
وإذا كانوا يريدون التدويل من أجل الحماية الدولية ، وإنشاء مناطق عازلة ، فلبنان سيصبح أكثر من عشرين بقعة ممزقة ، وسنترحم حينها على عنوان الوحدة الوطنية والدولة الواحدة .
وإذا كانوا يريدون التدخل الدولي من أجل ضرب المقاومة فهذا يعني محاولة كسر معادلة التوازن العسكري مع إسرائيل . علما بأن هذه المعادلة لن تتغير ، وقد رضخت لها اسرائيل ذاتها ، وأصبحت مسألة خارج النقاش الاقليمي والدولي. فلما المغامرة ؟.
إن ما ينتظره لبنان هو التسليم بكونه وطنا نهائيا ، فشعبه لم يعد يحتمل الفشل في الأداء السياسي ، والحلول اللبنانية هي الأنجح وإن كانت الأزمة كبيرة ، والرهان على الخارج سيعيدنا الى مرحلة الثمانينات إن لم يكن أسوأ .