د. سامر ماهر عبدالله – ليبانون تايمز
أصبح من الواضح أن ولاية دونالد ترامب الرئاسية كانت بغاية الصعوبة على المشهدين الأميركي والعالمي. فإذا كان من المسلم به أن في واشنطن مؤسسة قرار صلبة لا تتغير عقيدتها مع تغير الرؤساء وإنما ما يتغير هو فقط التقنيات، إلا أن أي متابع لا ينكر المحطات الخطيرة التي أوجدتها سياسة ترامب، وأكبر دليل على ذلك هو محاولة المنظومة السياسية الأميركية تطويق قدرة هذا الرجل -في فترة ما قبل تسليم السلطة – على استعمال الزر النووي وإعلان الحرب، دون أن ننسى تورطه في التحريض على إقتحام الكونغرس، وفي سعيه إصدار عفو عن نفسه.
هناك إجماع أنه لم يمر على الولايات المتحدة الأميركية رئيسا بهذا القدر من التطرف والتهور. وصادف ولاية ترامب ذروة الصعود الصيني، وإصرار روسيا على إدارة تعددية العالم، ومراجعة أوروبا لتبعيتها للولايات المتحدة.
لا يمكن إجراء قراءة مستقبلية لمشهد الشرق الأوسط في ظل ولاية بايدن – الديمقراطي، إلا عبر العودة إلى مرحلة باراك أوباما الذي أرسى حينها عقيدة جديدة للسياسة الخارجية الأميركية سيستكملها حكما بايدن.
وللتذكير، فإن عقيدة أوباما وخاصة في الشرق الأوسط قد إرتكزت على التالي:
١- إن الولايات المتحدة الأميركية غير مضطرة لإرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى الخارج طالما تستطيع تحقيق أهدافها بوسائل أخرى. وتمثل هذه الفكرة نقدا من أوباما لحربي أفغانستان والعراق، وما رافق ذلك من خسائر بشرية واقتصادية إضافة إلى تراجع هيبة واشنطن العالمية.
٢- أراد أوباما التركيز على التواجد الأميركي في آسيا لإحتواء الصعود الصيني قدر الإمكان، وقال ما حرفيته أن المستقبل هناك، في بحر الصين.
٣- تجنب أوباما أي صراع جانبي يبعده عن الإستعداد الإستراتيجي لمواجهة الصين. وتمثل ذلك أولا برفضه مواجهة إيران عسكريا، بل وأكثر من ذلك، غازل الشعب الإيراني في عيده المفضل، وأرسى الحل السلمي للملف النووي قبل أن ينسفه ترامب.
٤- تجنب أوباما التصعيد مع روسيا، بل وأكثر من ذلك، فقد تغاضى عن دورها في سوريا ودفاع اسطولها الجوي عن الحكومة السورية ضد ارهاب داعش والنصرة، وتغاضى ايضا عن تأسيس موسكو حضور إستراتيجي في المتوسط. وللتذكير فقط أنه عند استعداد الجيش السوري لتحرير حلب، اقترح قادة الجيش الأميركي على أوباما قيامهم بإنزال جوي في المدينة بما يمنع سقوطها. إلا أن جوابه كان حاسما: لا أريد أن أصطدم مع الروس، فتحررت حلب وتوحدت بشطريها بما كانت تمثله من مشروع لتقسيم الدولة السورية.
٥- أرسى أوباما لما سمي الانتقال الديمقراطي في العالم العربي، وتخلى عن حلفاء واشنطن حسني مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي. وأسس للفوضى في ليبيا وسوريا.
يعرف قادة الشرق الأوسط أن بايدن سيستكمل مشروع أوباما، وخاصة لجهة دعم تركيا، واعادة التفاوض مع ايران، ولذلك حصل تموضع سعودي عبر الاتفاق مع قطر، وقراءة مصرية يقظة للأزمة الليبية.
وقائع شرق أوسطية كثيرة تغيرت في مرحلة ترامب، ولكن المرجح أن بايدن سيستكمل ما سمي “دعم الديمقراطية ” و”ودعم الإنتقال الديمقراطي” ليس إلا من أجل الهيمنة بأسلوب ناعم ودون كلفة لتحييد المنطقة، وإذا كان للساحتين السورية واللبنانية خصوصيتهما، وإذا كانت واشنطن قد اقتنعت أن قرار مصر هو بيد جيشها، فإن المرجح أن بايدن سيستكمل مشروع الفوضى الأميركي وقد يحصل ذلك في دول الخليج العربي.