ليبانون تايمز ـ حسن الدّر
على أعتاب الأعياد المجيدة، الّتي تحمل في طبيعتها وتسميتها أملًا وتفاؤلًا بغدٍ أفضل، يقف اللّبنانيّون مذهولين، من هول ما عانوه هذا العام، والنّفق المؤدّي إلى جهنّم، الّذي دخلناه مطلع العام، شارف على الانتهاء؛ رائحة النّار المنبعثة من الفساد المستشري تزكم أنوف اللّبنانيين، المستقبل القريب ليس في طيّ الغيب، فالأرقام الدّوليّة والمحليّة ترسم صورة واضحة لما ينتظرنا!
الأرقام الصّادرة عن جهات معتبرة دوليًّا ومحلّيًا مخيفة، وأبرز معالم الانهيار القادم، ازدياد معدّلات جرائم القتل أكثر من الضّعف، وكذلك السّرقات، خلال أقلّ من عام، حسب تقارير قوى الأمن الدّاخليّ.
معدّل الفقر في لبنان قفز من ٢٨٪ إلى ٥٥٪ بين عاميّ ٢٠١٨ و ٢٠٢٠ حسب منظّمة اليونيسيف، هذا الارتفاع المضاعف قابل لمزيد من التّفاقم في الأشهر المقبلة، بسبب الانكماش الاقتصادي وانهيار العملة الوطنيّة وخسارة القطاع السّياحيّ بريقه في الآونة الأخيرة، ما ينذر بعواقب وخيمة!
أمّا معدّلات الهجرة، فلا مجال لتحديد رقم يقيسها، فلو فتحت السّفارات أبواب الهجرة أمام اللّبنانيين، ولولا أزمة كورونا الّتي كبّلت دول العالم، ربّما كنت أكتب سطور هذه المقالة من خارج لبنان!
هذه المؤشّرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة لا تنفصل عن الواقع السّياسيّ المأزوم، بل ربّما تكون انعكاسًا لمسار سياسيّ مرسوم قبل سنوات، يهدف إلى تغيير الواقع السّياسيّ في لبنان، وقلب موازين القوى، تمهيدًا لفرض واقع جديد، يتلاءم مع التّحولّات الكبرى في المنطقة والعالم.
لم تفلح الحرب الضّروس عام ٢٠٠٦ في فرض شروط “إسرائيل” وحلفائها على المقاومة في لبنان، جاء العقاب جماعيًّا هذه المرّة، بدأ بعقوبات اقتصاديّة، وحصار ماليّ، ثمّ أتى تفجير المرفأ ليعمّق الأزمة السّياسيّة، ويفقد ثقة النّاس بالمؤسّسات الرّسمية، السّياسيّة والأمنيّة والقضائيّة، فنسبة ٦٪ فقط من اللّبنانيين يثقون بحكومتهم، وهو استطلاع أجرته مؤسّسة “الباروميتر العربي” وهي مؤسّسة أمريكيّة، أضف إلى التّصريحات، المهينة للدّولة اللّبنانيّة، من عدّة دول غربيّة كبرى، أعلنت صراحة، بأنّها لا تثق بمؤسّسات الدّولة الغارقة في الفساد الاداريّ والماليّ، وأنّ المساعدات ستذهب إلى جمعيّات المجتمع المدني مباشرة، لضمان صرفها في أماكنها الصّحيحية!
من الواضح أنّنا أمام سياق متّسق، يؤدّي حتمًا إلى سقوط الدّولة، والتّحضير لبناء دولة جديدة تنسجم مع المحيط “المطبّع” وفق الشّروط الأمريكيّة، ولم يعد يجدي “التّرقيع” على الطّريقة اللّبنانيّة، فالأزمة هذه المرّة أعمق وأبعد من خصومات سياسيّة محلّيّة، ومن تسجيل نقاط داخليّة، إنّها معركة حاسمة، ومفترق طرق خطير يضعنا أمام خيارات مصيريّة!
آخر تجربة “ناعمة” كانت محاولة استغلال حراك ١٧ تشرين، وركوب موجة الغضب العارمة المحقّة، عبر صرف المليارات والتّدخّل المباشر من خلال بعض الجمعيّات المرتبطة مباشرة بالسّفارات، ولمّا فشلوا في اقتناص الفرصة المؤاتية، جاء القرار بالدّفع نحو الانهيار الشّامل.
“لبنان أشبه بسفينة التّايتانيك”، “لبنان مهدّد بالزّوال عن الخريطة”، تصريحان مرعبان صدرا عن وزير الخارجيّة الفرنسيّة جان ايف لو دريان، يوضحان حجم الخطر المحدق بنا، ونحن اللّبنانيين، برأي الأمريكيين وحلفائهم، أمام خيارين اثنين: إمّا القبول بثورة على طريقة الـ “NGOS” ومحرّكيها، أو اللّحاق بركب المهرولين نحو التّطبيع مع “إسرائيل”، وهذه الخيارات تلقى آذانًا صاغية لدى بعض اللّبنانيين، وللبعض الآخر رأي آخر.. أمّا الرّأي الرّاجح فتحدّده موازين القوى، وتكشف لثامه الأيّام القادمة!