الدكتور سامر ماهر عبدالله – خاص ليبانون تايمز
يصح القول أن تشكيل حكومة جديدة لم يعد وحده كافيا لإعادة الإستقرار إلى لبنان سيما وأن البلد اعتاد منذ عام ٢٠٠٥ أن يتنقل من السيء إلى الأسوأ على كافة الصعد السياسية والإدارية والمالية .
ويصح القول أيضا أن غياب الإستقرار ليس أمرا خاصا بلبنان ، بل نجد الفوضى الإقليمية كواقع مأساوي يلازم ليبيا والعراق واليمن وسوريا ، إضافة إلى وجود أكثر من بلد عربي – للأسف – يترنح بين الاستقرار وعدم الإستقرار .
ودون العودة إلى إرشيف وخرائط سياسة الفوضى التي رسمتها بعض الدول الكبرى لمنطقتنا وخاصة الولايات المتحدة الأميركية ، يمكننا القول بإختصار أن واشنطن أرادت إعادة رسم المنطقة العربية بأكملها على أسس عرقية وإثنية ومذهبية منذ تخطيطها لإحتلال العراق وإنشاء مناطق حظر هناك كانت بداية لتفتيت وتقسيم المنطقة .
ويكفي أن نتذكر أن الدستور الذي صاغه الإحتلال للعراق كان على أسس دينية وعرقية رفضا لأي مشروع ينتج الدولة العربية الحديثة التي يجب أن تبنى على أسس وطنية .
عودة إلى لبنان ، هل يمكن اختصار مشاكل البلد بحكومة ؟ وهل ستحمل الحكومة الجديدة عصا سحرية فتتجاوز المنظومة الطائفية والإدارية والمالية الفاشلة ، لتعيد الثقة بالبلد وبالمؤسسات ؟
الجواب هو كلا ، ورغم ذلك نجد رفضا اميركيا لتشكيل حكومة تعيد بعض الثقة بلبنان ، لنعرف جميعا أن واشنطن تريد إدخال البلد في المجهول ، ولا تريد للبنانيين أن يتوافقوا على صيغة وهوية وطنية للبنان تعطيه الحد الأدنى من الإستقرار والتطور .
من المشاريع الوطنية التي تستوجب الطرح دائما هي مشروع إنتاج قانون إنتخاب يؤمن الحد الأدنى من العدالة والإستقرار ، لذلك نجد هجمة شرسة من البعض لمنع مناقشة هذا الطرح الوطني الذي ينادي به دائما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري .
كما رفض البعض ذاته مشروع الدولة المدنية الذي تطالب به حركة أمل وكتلة التنمية والتحرير . هذه الدولة التي لا بد منها للوصول إلى دولة حقيقية وعادلة ، دولة تستطيع إنتاج قضاء مستقل وهيئات رقابية فاعلة.
أعتقد أن نقطة الضعف في الملف الحكومي الراهن هو أنه ليس هناك مشروع خلفه . فلم تعد تكفي الشعارات المستهلكة المتمثلة بضرورة إنتاج حكومة مستقلين، أو حكومة أزمة، أو حكومة مرحلية أو غيرها.
نعم ، نحن بحاجة إلى حكومة تملك مشروع وطني ، وهذا المشروع بحاجة إلى مواقف كبيرة ، وعنوان هذا المشروع ثلاثي الأبعاد :
١- وحدة لبنان منعا لملاقاة مشاريع الفتنة الفيدرالية التي تنذر بتدمير البلد والتجارب المحيطة كثيرة .
٢- مقاربة موضوع الدولة المدنية الحديثة بكل جرأة ، وبنوايا صادقة من قبل الجميع .
٣- عدم التفريط بعناصر القوة التي أنتجتها التجربة اللبنانية ، والمتعلقة بالتوازن الاستراتيجي الذي حققته معادلة الشعب و الجيش والمقاومة ، وربط هذه المعادلة بمستقبل لبنان واستقراره ودوره الاقليمي.
أعتقد أن أكثرية القوى السياسية تسلم علنا أو ضمنا بأهمية وحتمية هذه العناوين التي رافقت مشروع الطائف وما بعده.
وأرى أن أكبر خطر راهن هو مطالبة البعض استبدال الطائف بالفيدرالية ، علما أن المشروع الفيدرالي ساقط من أوله لأسباب معروفة ، وأن واشنطن ستترك من يحمله في منتصف الطريق كما تركت أكراد العراق وسوريا يواجهون مصيرهم المجهول.
عودة إلى الحكومة المنتظرة ، يجب أن تكون عنوانا لمشروع قانون عصري للإنتخاب ومشروع تثبيت وحدة البلد ومشروع دعم الجيش بانتظار خروج واشنطن الحتمي من المنطقة.
إن المنطقة مقبلة على تعددية ، فواشنطن حرقت ودمرت الكثير ولكنها لم تستطع تحويل الجغرافيا السياسية والاقتصادية للمنطقة وفق أهوائها ،ولن تسمح روسيا والصين بعد اليوم بأحادية واشنطن . وسيكون لأبناء المنطقة دور أساسي في إدارتها ، وللبنان دور بإنتظاره بفعل عناصر قوته وليس بفعل عناصر ضعفه.