كتبت رنى سعرتي في صحيفة الجمهورية اليوم مقالا بعنوان “شرطان لصندوق النقد: الدعم وسعر الصرف”، جاء فيه:
“إعتبر كبير الاقتصاديين في «معهد التمويل الدولي» غربيس ايراديان، انّ لبنان سيتوصل الى اتفاق حول برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي عاجلاً أم آجلاً، لانّه الخلاص الوحيد لأي حكومة جديدة، مهما كان شكلها أو لونها. موضحاً انّ صندوق النقد الدولي سيشترط رفع الدعم عن المحروقات، وتوحيد سعر صرف العملة المحلية، الذي رجّح ان يبلغ أقلّ من 6000 ليرة مقابل الدولار، في حال تمّ تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وحصل لبنان على الدعم المالي من المجتمع الدولي.
أكّد «معهد التمويل الدولي» في أحدث تقرير له، امكانية ان يصنّف لبنان كدولة فاشلة، في ظلّ غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لافتاً الى انّ الانفجار الهائل الذي حصل في مرفأ بيروت، بالاضافة الى الشلل السياسي أدّيا الى تعميق نسبة الانكماش في الاقتصاد إلى 26.6 في المئة لهذا العام، مقارنة مع 6.8 في المئة في 2019 و 1.9 في المئة في 2018.
واوضح انّ الانكماش الكبير في الإنتاج والانخفاض الهائل في سعر صرف العملة المحلية في السوق السوداء، سيؤديان الى تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 31 مليار دولار في العام 2020. مشيراً الى انّ معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلك بلغت 91.3 في المئة في 2020 مقارنة مع 2.9 في المئة في 2019.
وذكر «معهد التمويل الدولي»، انّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المانحين الرسميين، يحجمون عن تقديم الدعم المالي الى لبنان، بسبب الفشل المتكرر للطبقة السياسية في تنفيذ السلة المطلوبة من الإصلاحات، معتبراً انّه يمكن استئناف المفاوضات بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي وتخطّي كافة الاشكاليات السابقة ونقاط الخلاف، في حال تمّ تشكيل حكومة جديدة متخصصة ومستقلة في الأسابيع القليلة المقبلة، والتي يجب ان تبدأ فوراً في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية، بما في ذلك إصلاح النظام المالي وإصلاح الكهرباء، بالاضافة الى اقرار مجلس النواب قانون يضمن استقلالية الهيئة القضائية، وقانون المشتريات العامة الجديد، والانتهاء من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الجارية حالياً.
وفيما توقع معهد التمويل الدولي تراجع العجز في الحساب الجاري، في ظلّ انهيار الطلب المحلي من 11.5 مليار دولار الى -3.1 مليارات دولار، اي بنسبة 22.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، إلى 10.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، اكّد انّ تراجع صافي تدفقات رأس المال سيعوّض الانخفاض الحاصل في عجز الحساب الجاري. وفي النتيجة، رجّح ان تنخفض الاحتياطات الرسمية للبنك المركزي بنحو 12 مليار دولار إلى 19.6 مليار دولار في نهاية العام 2020، مقدّراً أنّ ما لا يقلّ عن 18 مليار دولار من الأصول المتبقية لمصرف لبنان بالعملات الأجنبية، هي احتياطي إلزامي للمصارف، والتي لا يمكن للبنك المركزي استخدامها.
واكّد التقرير انّ العجز المالي سيبقى كبيراً بسبب انهيار إيرادات الدولة، وذلك بنسبة 10.3 في المئة من الناتج المحلي في 2020 مقارنة مع 11.9 في المئة في 2019. كما قدّر ان تبلغ نسبة الدين العام من الناتج المحلي الاجمالي 94.1 في المئة في 2020 مقارنة مع 175 في المئة في 2019.
واعتبر التقرير، انّ الإصلاح الاقتصادي والحدّ من حصول المزيد من التدهور سيتطلبان معالجة الفساد المستشري في لبنان بشكل جذري، وذلك عبر وجود إرادة سياسية قوية لإنشاء مؤسسات فعّالة تعزّز النزاهة والمساءلة في كافة مؤسسات القطاع العام، مشيراً الى انّ استقلالية النظام القضائي غالبًا ما تتعرّض للتحدّي من خلال التدخّل السياسي.
في هذا الاطار، اوضح كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان، انّ الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد بلغ القعر، ولم يعد أمام لبنان سوى فرصة التوصل الى برنامج انقاذ مع صندوق النقد الدولي وتشكيل حكومة متخصصة، لتطبيق الاصلاحات المطلوبة، بغض النظر اذا كانت حكومة تكنوسياسيين او اختصاصيين، مؤكّدا لـ«الجمهورية»، انّ أي رئيس حكومة مقبل، ليس امامه سوى صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من ازمته، «وهذا أمر واقع، لكن توقيته ما زال مجهولاً، قد يتمّ التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام او مع بداية العام المقبل».
وشدّد ايراديان على انّ الدعم على السلع الاساسية المستوردة لا يمكن ان يستمرّ ولا قدرة لمصرف لبنان على الاستمرار به، مشدّداً على ضرورة رفع الدعم على المحروقات بشكل خاص او على الاقلّ دعمها وفقاً لسعر صرف الـ 3900 ليرة، كذلك الامر بالنسبة للادوية التي يجب ترشيد دعمها، باستثناء القمح الذي لا يشكّل دعمه مشكلة كبرى. وكشف انّ صندوق النقد الدولي لا يمكن ان يوافق عبر أي برنامج إنقاذ سينفذه في لبنان على مواصلة الدعم، وبالتالي فانّ هذا الامر سيحصل عاجلاً أم آجلاً، «إلّا انّ رفع الدعم، بعد الحصول على دعم مالي من صندوق النقد وتعزيز احتياطي مصرف لبنان، لن يكون تداعياتهما سلبية على غرار رفعه اليوم»، مشدّداً على ضرورة ان يقابل رفع الدعم، تفعيل لشبكة الحماية الاجتماعية للأُسر الاكثر حاجة.
عن مسار سعر صرف العملة المحلية، قال ايراديان، انّ سعر الصرف سيستعيد تعافيه عند البدء في تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي، والحصول على أموال «سيدر» التي ستعزّز النمو الاقتصادي وتُعيد الثقة للقطاع الخاص، لأنّها مخصّصة لتنفيذ مشاريع استثمارية في القطاع العام والخاص. متوقعاً ان يرتفع سعر صرف الليرة بعد 3 اشهر من انطلاق برنامج الانقاذ، والبدء في تنفيذ الاصلاحات، الى أقلّ من 6000 ليرة مقابل الدولار. كما اشار الى انّ صندوق النقد سيطالب ايضاً بعد 3 او 4 اشهر من تنفيذ برنامجه، بتوحيد اسعار الصرف المعتمدة، اي السعر الرسمي 1500 وسعر المنصة 3900 والسوق السوداء، مرجحاً ان يكون السعر الموحّد عند حوالى 5000 او 5500 ليرة”.