محمد علوش – أحوال ميديا
يوم دخلت البلاد منذ شهرين ونيّف في دوّامة البحث عن رئيس حكومة مكلّف، استقرّ سعر صرف الدولار في لبنان، وعندما اعتذر السفير اللبناني في ألمانيا مصطفى أديب عن أداء مهمته بتشكيل الحكومة، إرتفع السعر تدريجيّاً حتّى لامس الـ 9 آلاف ليرة مجدّداً، ونهار الأحد الماضي، عندما عاد الحديث عن عودة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى الواجهة السياسية، إنخفض سعر الصرف، فهل الأسباب سياسيّة أم إقتصادية؟
عند الحديث عن العملة المحلية وثباتها مقابل الدولار يجب البحث عن المقومات الأساسية لدعم تثبيت الليرة اللبنانية، وعلى رأس هذه المقومات يأتي “ضخ” مصرف لبنان للعملة الصعبة لسد حاجات الإستيراد، ومكافحة السوق السوداء، الأمر الذي لم يحصل بشقيه، وبالتالي إذا أردنا الحديث عن أسباب علميّة لانخفاض سعر الصرف فقد لا نجدها.
النظرية العقلانية واللاعقلانية
يشير الخبير المالي والإقتصادي محمد جزيني إلى أن الحديث عن سعر صرف الليرة اللبنانية في هذه المرحلة وفي كل مرحلة يستوجب الحديث عن نظرية “العقلانية” ونظرية “اللاعقلانية”، مُعتبراً أن “العقلانية” بالأسواق المالية تؤدي الى ثباتها، والعكس، فإن التصرف بلا عقلانية يعني أن الأسواق المالية لا تستوي وستنهار، مشيراً إلى أنه يستحيل تقييم الأدوات المالية ومنها سعر الصرف إذا لم يتم العمل وفق النظرية العقلانية.
بحسب جزيني فإن الإعتماد على نظرية العقلانية يعني أن سعر الصرف اليوم هو عبارة عن نتائج دراسة وتحليل كل المعلومات الحالية المتوفرة عن المنتج أي الليرة والدولار، وحتى المعلومات المستقبلية التي تقرأ قيمة المنتج بالمستقبل بحال كانت هناك توقعات تشير إليها، وبالتالي فإن سعر الصرف يتحدّد بناءً لمعطيات ومعلومات، لا جُزافاً، ويمكن أن تكون المعطيات مالية ويمكن أن تكون سياسية.
ويضيف جزيني في حديث لـ”أحوال”: “مثلاً في إحدى المراحل، بعد إنفجار الرابع من آب إنخفض سعر صرف الدولار بسبب معطيات مالية هي توقف الإستيراد، ودخول عملات صعبة من الخارج، وفي مراحل سابقة إنخفض سعر الصرف عندما أعاد مصرف لبنان العمل بنظام تسليم الدولار إلى عملاء شركات تحويل الأموال، أما اليوم فإن المعطيات المالية غير متوفرة، وما توفّر هو معلومات سياسية وتوقعات ماليّة”.
يرى جزيني أن ما تأثر به سعر الصرف اليوم بحسب النظرية العقلانية هو توافر معلومات عن التوجه نحو حل حكومي، وتوقعات بأن يحمل هذا الحل متغيّرات إقتصادية، خصوصاً أن الكل يتوقع أن تحمل عودة سعد الحريري مساعدات ومؤتمرات دولية، الأمر الذي انعكس إيجاباً على سعر الليرة.
ولكن عندما يتغيّر سعر الصرف بنحو ألف ليرة لبنانية خلال ثلاثة أيام، فإن هذا الأمر يأخذنا بحسب الخبير المالي والإقتصادي إلى “النظرية اللاعقلانية”، وهي التي لا تُعمِل العقل في دراسة الحالات، وما لدينا في لبنان بشأن الليرة هي أمور لا يوجد لها أي تفسير علميّ، خصوصاً وأن التغيرات التي تُصيب الليرة عادة ما تحتاج الى عام كامل على الأقل لتحصل في وضع طبيعي، بينما هي تحصل لدينا خلال 3 أيام دون تواجد أي معطيات مالية تدفع باتجاهها.
غابت المعطيات الماليّة فحضرت “السياسة”
ترى مصادر سياسيّة أن قيمة الدولار الحقيقية في لبنان حاليّا تصل إلى 5 ألاف ليرة لبنانية، والفارق الإضافي بين هذا المبلغ وبين سعر صرف الدولار في السوق السوداء هو عبارة عن “تدخلات سياسية”، مشيرة عبر “أحوال” إلى أن الدولار هذا يمكن تسميته “بالدولار السياسي”، وهو يكون خاضعاً لمعطيات سياسية ترفعه وتخفضه حسب الحاجة.
وتدعو المصادر إلى قراءة التقلبات بسعر الصرف منذ عام حتى اليوم، واكتشاف كيفية تماشي التلقّبات مع المصلحة السياسية لفريق سياسي وازن، مشيرة إلى أن هذه التلقبات مرشّحة للإستمرار طالما بقي الوضع الحكومي متذبذباً، أو تشكّلت حكومة أمر واقع في لبنان.