عرض مقال كتبه صامويل راماني بمجلة “فورين بوليسي”، الأسباب التي يجب أن تدفع الولايات المتحدة إلى عدم بيع طائرات أف-35 إلى الإمارات، بعد إعلانها تطبيع علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي
وقال: “حدث إقامة علاقات بين أبو ظبي والكيان الاسرائيلي، الذي أصبح رسميا بتوقيع الاتفاق الشهر الماضي في البيت الأبيض، كان متوازيا مع مباحثات حول بيع طائرات أف-35 الأميركية للإمارات”.
وعارض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو علنا شراء الإمارات لهذه الطائرات، لكن إدارة ترامب تعمل على حل وسط يسمح لأمريكا أن تبيع طائرات الجيل الخامس المقاتلة لأبو ظبي، دون أن تخسر إسرائيل تفوقها العسكري النوعي، أي مقدرتها على ردع الاعتداء من الأعداء الإقليميين من خلال التفوق التكنولوجي والتكتيكي، الذي كان قاعدة مهمة في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط منذ ستينيات القرن الماضي، ومثبتة في القانون الأميركي منذ عام 2008.
وواجه بيع طائرات أف-35 المحتمل للإمارات مقاومة في أميركا؛ فمزاعم جرائم الحرب التي ترتكبها الإمارات في ليبيا، والتي تشمل هجوما على مركز اعتقال للاجئين بالقرب من طرابلس وضربة من طائرة مسيرة قتلت طلابا عسكريين غير مسلحين في طرابلس في كانون الثاني/ يناير الماضي، بالإضافة للإشراف على مراكز تعذيب في اليمن، هو ما أثار تحديات أخلاقية للصفقة، كما أن تقارب علاقات البلد مع الصين وفرت أرضية إضافية للانتقاد.
كما أن هناك مخاوف من احتمال قيام كل من روسيا والصين بإمداد إيران بتكنولوجيا عسكرية متطورة لموازنة التحسن في إمكانيات الإمارات الجوية بسبب الحصول على طائرات أف–35.
وبينما تعتبر هذه العوامل الجانبية موضع قلق كافية، إلا أن شراكة الإمارات الاستراتيجية المتنامية مع روسيا توفر سببا منطقيا مهما للتخلي عن بيع طائرات أف-35 لأبوظبي.
ومع أن الإمارات توصف بأنها أكثر شركاء أميركا في مكافحة الإرهاب موثوقية، إلا أنها عملت مع روسيا لتقوية وضع الرئيس السوري بشار الأسد وشرعيته دوليا. وساعدت الجنرال الليبي، خليفة حفتر، في هجومه ضد طرابلس. هذا التعاون يصاحبه تقوية للعلاقات الثنائية بين البلدين.
ففي حزيران/ يونيو 2018 وقعت روسيا والإمارات أول اتفاقية شراكة استراتيجية بين دولة من دول مجلس التعاون الخليجي مع موسكو.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وصف ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، بأنه “صديق قديم”، قبل زيارته للإمارات في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، التي أسفرت عن عقود قيمتها 1.3 مليار دولار كصفقات تجارية جديدة بين البلدين.
وفي ضوء هذه العلاقة المتنامية، يجب أن تمتنع أميركا عن تصدير طائرات أف-35 للإمارات؛ حتى تقوم الأخيرة بخطوات ملموسة في الابتعاد عن روسيا.
ويجب تطبيق هذه السياسة على الإمارات مثلما تم تعليق بيع طائرة أف-35 لتركيا، بعد شرائها نظام أس-400 الروسي للدفاع الجوي، وإعلانها عن خطط للتعاون مع روسيا في بناء أس-500.
وما لم تبتعد الإمارات عن روسيا، فإن هناك مخاطر عالية من نقل غير متعمد للتكنولوجيا الأميركية إلى موسكو من خلال أبو ظبي، ومن أن تصبح الدفاعات الجوية الروسية قادرة على التعامل مع طائرات أف–35.
وعلاقة روسيا الأمنية مع الإمارات أعمق من علاقتها بتركيا؛ لأنها تقوم على بيع الأسلحة والتعاون اللوجستي، والتعاون على تطوير أنظمة الأسلحة، لذلك فإن المخاطر المرتبطة ببيع طائرات أف-35 هي أكبر في حالة الإمارات من تركيا.
وبالرغم من التوتر الذي تسببه العلاقات الدبلوماسية لأبو ظبي مع طالبان، والدعم العسكري للثوار الانفصاليين في الشيشان خلال حرب 1994-96 مع روسيا، إلا أن الإمارات كانت رابع مستورد للأسلحة الروسية عام 2000.
وشراء الإمارات للأسلحة من روسيا، على عكس السعودية التي رفضت شراء أسلحة من روسيا، أرسى أسس شراكة تعاون أمني بين موسكو وأبوظبي. وبقيت هذه الشراكة تزداد قوة تحت رئاسة دونالد ترامب.
ومنذ عام 2017، اشترت الإمارات نظام الدفاع الجوي بانتسير س-1 لاستخدامه في ليبيا، بالإضافة إلى نظام صواريخ كورنيت المضادة للدبابات بأربعين مليون دولار، والتي تم نشرها في اليمن، وهذا يشير إلى أن الإمارات قد تشغل طائرات أف-35 مع أنظمة الدفاع الجوية الروسية.
وذكرت الأمم المتحدة في تقاريرها الشهر الماضي أن موجات من الطائرات الروسية والإماراتية أمدت قوات حفتر بالأسلحة بشكل غير قانوني، وهو ما يؤكد التعاون اللوجستي بين البلدين في ليبيا.
وقامت مجموعة فاغنر المتعاقدة الخاصة بعمليات استطلاع لصالح هجمات طائرات الإمارات المسيرة، بالإضافة إلى تورط الإمارات في تجنيد مرتزقة من تشاد والسودان للقتال مع مجموعة فاغنر.
كما أن روسيا والإمارات تتشاركان المعلومات الاستخباراتية حول العمليات ضد الثوار في سوريا بشكل منتظم، وهو ما يقوي من قبضة الأسد على السلطة.
ومعدل التشاور بين روسيا والإمارات في المسائل الأمنية قد يؤدي إلى سيناريو يتم فيه استخدام طائرات أف-35 الإماراتية مع نظام بانتسير س-1س أو أس-400 معا.
وهذه العمليات المشتركة قد تنبه الروس إلى نقاط ضعف في طائرة أف-35، ما سيسمح لموسكو إنتاج نظام دفاع صاروخي يمكنه إسقاط تلك الطائرة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا والإمارات يمكن أن تتعاونا على تطوير مقاتلة نفاثة من الجيل الخامس. ففي شباط/ فبراير 2017، أعلنت شركة الأسلحة العملاقة روزتيك بأنها سوف تعمل مع وزارة الدفاع الإماراتية على تطوير طائرة قتالية نفاثة من الجيل الخامس.
وهذه الطائرة التي سيتم تطويرها على مدى سبع أو ثماني سنوات، ستكون أكثر تطورا من طائرة ميغ-29 التي تستخدمها روسيا حاليا. وستزيد التحسينات من تنافسية روزتيك من ناحية الأسعار والنوعية، وتسمح لها بمنافسة الشركات الدفاعية الأميركية.
وبينما هذا المشروع المشترك تم تجميده مبدئيا، استهدفت روسيا الإمارات كشريك في إنتاج طائرة اس يو-57 المقاتلة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. وجاء هذا التواصل الروسي مع الإمارات بعد إطلاق الأخيرة مجموعة Edge بهدف تطوير تكنولوجيا دفاعية خاصة بها.
وبما أن روسيا استثمرت بشكل كبير في تحديث سلاحها الجوي منذ عام 2011، فقد تضغط نحو حصول الإمارات على طائرات أف-35 لتجمع معلومات عنها تساعدها في تطوير طائراتها.
وحتى لو لم يحدث هذا السيناريو الخطير، فإن تصدير طائرات أف-35 للإمارات سيقوض مصداقية العقوبات الثانوية المرتبطة بشراء الأسلحة من الروسية. وهذه العقوبة يلزم بها قانون مواجهة الأعداء من خلال العقوبات CAATSA، والذي صادق عليه الكونغرس الأميركي في تموز/ يوليو 2017.
والتهديد باستخدام هذا القانون عقد إمكانية الهند شراء نظام الدفاع الجوي الروسي أس-400، وكلا من تركيا بسبب شراء أس– 400 ومصر بسبب شراء طائرة أس يو 35.
وإن تم بيع طائرات أف-35 للإمارات، بالرغم من شرائها أسلحة روسية، فسوف يثير التفضيل السياسي هذا حفيظة الدول المهددة بعقوبات بموجب قانون CAATSA.
وتقويض مصداقية CAATSA، والاعتقاد بين الدول العربية بأن الاعتراف بإسرائيل هو علاج ضد العقوبات المترتبة على التعامل مع روسيا، سيخلق خطرا أخلاقيا.
وقد اعتبرت روسيا الإمارات نافذة تدخل منها إلى سوق الأسلحة المزدهر في شبه الجزيرة العربية. وتصدير طائرة أف-35 للإمارات سيفتح الباب على شراء الأسلحة الروسية من دول الخليج الأخرى.
كما أن رغبة المرشح الرئاسي جو بايدن أن ينهي الدعم الأمريكي للتدخل السعودي في اليمن، وأن يعود للتفاعل مع إيران، سيولد احتكاكا بين أمريكا وشركائها في الخليج، وسيشجع الضرر الذي لحق بمصداقية قانون CAATSA دول الخليج أن ينتقموا بشراء أسلحة روسية.
والأرضية الدبلوماسية لتصدير الأسلحة الروسية بشكل سريع لدول مجلس التعاون الخليجي جاهزة؛ فقد وافق الملك سلمان خلال زيارته التاريخية لروسيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 أن يشتري نظام أس-400 الدفاعي.
وزادت رغبة السعودية بشراء أس-400 بعدما فشل نظام باتريوت في حماية المنشآت النفطية في حقل بقيق من هجوم أيلول/ سبتمبر 2019.
ومنذ أن بدأ الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر في حزيران/ يونيو 2017، أبدت قطر اهتماما بالحصول على نظام أس- 400.
والبحرين أيضا تنظر لروسيا على أنها تاجر أسلحة لا يتأثر بالأزمات كونها أمدت المنامة بالأسلحة، بعد أن علقت كل من المملكة المتحدة وفرنسا مبيعات الأسلحة عام 2011.
وفي حال زادت اعتداءات إيران في الخليج مع عدم قيام أمريكا بمساعدة حلفائها العرب، فإن هناك خطرا حقيقيا أن تتبع هذه الدول الإمارات وتشتري أسلحة روسية.
وبسبب المخاطر في نقل التكنولوجيا والإضرار بمصداقية العقوبات الثانوية، فإن على أمريكا ألا تبيع أف-35 للإمارات حتى تقوم بتخفيض علاقاتها بروسيا.
وإلى حد الآن، فإن الصفقة بين الإمارات والكيان الاسرائيلي والدعم الكبير لروسيا لرفع حظر الأسلحة عن إيران لم تخفف من قوة الشراكة الأمنية بين موسكو وأبوظبي.
وكان عدد الرحلات الجوية الداعمة لمجموعة فاغنر الروسية في ليبيا بمعدل 35 مرة خلال شهر آب/أغسطس. وبحسب التقارير، فإن الإمارات تمول عمليات المجموعة الروسية، وليس هناك أي تغير في العلاقات بين البلدين.
وقد استخدمت أميركا تطبيع العلاقات بين الإمارات والكيان الاسرائيلي كوسيلة للضغط على الصين، حيث شجعت استثمارات مشتركة إسرائيلية إماراتية تتنافس مع المبادرات الصينية في بناء المرافئ في حيفا. ويجب أن تضغط بنفس الأسلوب على الإمارات بشأن علاقتها بروسيا.
وبالقيام بفعل تجاه هذه القضية، سيكون صناع القرار الأمريكيون واجهوا علاقة استراتيجية لعبت دورا مهما في تقويض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت تطور أمريكا علاقة صحية مع الإمارات، وتنهي أجواء الإفلات من العقاب التي تسمح للإمارات بتحدي المصالح الأمريكية في أنحاء المنطقة.