قدم رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الدكتور يوسف ضاهر استقالته من منصبه، وقال في بيان: “أخرج الآن من الهيئة غير نادم على مواقفي ومبادراتي، مرتاح الضمير مرفوع الرأس، محافظا على حريتي واستقلاليتي وقراري الحر”.
أضاف: “لقد قضيت ستة أشهر في رئاسة الهيئة التنفيذية، وضعت خلالها أقصى جهدي لكي أعيد الرابطة إلى ساحة العمل النقابي المستقل. وأعتقد أنني استطعت إعادتها بمعاونة الزملاء في الهيئة التنفيذية، رغم الظروف القاسية التي تعصف بالوضع السياسي المأزوم والغارق في وحول الطائفية والزبائنية والاستتباع الأعمى، ورغم التهميش المبرمج لمجمل العمل النقابي، ورغم فقدان البوصلة الثقافية والفكرية في بحر التعليم العالي في لبنان المليء بنفايات الشهادات والعقول المتحجرة. لقد وضعت شعارا لعملي هو أن الرابطة لن تكون إلا لأهلها. وتحت هذا الشعار جمعت حول الرابطة كل الأساتذة وبخاصة الشباب المندفع والمليء بالعزة والكرامة والتطلع نحو جامعة يحترمها وتحترمه، في وطن لا احترام فيه للأستاذ الجامعي و لحقوق الإنسان. و نظرت بعين التضامن إلى الزملاء المتعاقدين وأتيت بهم تحت جناح الرابطة الدافئ. ثم ذهبت معهم للعمل على تحرير ملف تفرغهم القابع وسط أعقد وأشنع التجاذبات الطائفية والسياسية. واستطعنا دفع ملفهم إلى الواجهة. وكذلك فعلنا بملف الدخول إلى الملاك المفترض أن يكون الآن في خواتيمه السعيدة. وأبدينا تعاطفا مع المدربين وحاولنا رفع صوتهم إلى إدارة الجامعة. وكنا قد انطلقنا منذ طرحنا برنامج الهيئة إلى المطالبة بحقوق الجامعة وأهلها الأكاديمية والاجتماعية والإدارية. كما تواصلنا مع الطلاب وشجعناهم على إطلاق حركة طلابية بات يحسب لها حسابا، وستكون خط الدفاع الأول عن الجامعة”.
أضاف: “وفي خلال هذه الفترة القصيرة من عملنا قمنا بجولات عدة مطلبية واعتصامات وإلقاء كلمات لا حسابات فيها سوى للمطالبة بالحق والإصرار على إظهاره. وتمكنا من تحقيق العديد من الأهداف والمطالب في نهج نقابي مستقل. هذا النهج كان ملهما لاستقلالية القرار السياسي عند شريحة كبيرة من الأساتذة، فتحرروا من التبعية العمياء وشقوا طريق وعيهم لحقوقهم بجهودهم وضميرهم. وباتوا حركة نهضوية جديدة أتوقع أن تلعب دورا رياديا في مستقبل الجامعة والوطن”.
وتابع: “في هذا الخضم من العمل النقابي والحراك بالإضراب وغيره اصطدمنا بعقبات الحقارة السياسية وتخطيناها كما ناهضنا حملات التشهير بالأستاذ والجامعة وأعدنا لهما جزءا من كرامتهما. وواجهنا من داخل الجسم التعليمي ازدواجية الموقف والتفكير عند البعض. لم تتمكن السلطة من تدجين الرابطة ووقف إضرابها المحق لمدة شهر ونصف الشهر. استطاع هذا التحرك، وبدعم من جميع الأساتذة والطلاب، من تحصين حقوق وتحقيق مكاسب عديدة سوف تذكر في سجل الرابطة الذهبي. ومن أهمها: المساهمة في عدم المس بالراتب والمعاش التقاعدي، الحيلولة دون إلغاء السنة الذهبية، الحيلولة دون الإلغاء الكلي لمنح التعليم، الحيلولة دون رفع سن التقاعد للحصول على المعاش التقاعدي إلى 25 سنة خدمة، مشروع الخمس سنوات، تسريع ملفي التفرغ والملاك، الانتخابات الطلابية، التعهد بدعم اقتراح قانون جديد للثلاث درجات. وبقي الكثير لتحصينه وتحقيقه مطلبيا واجتماعيا، مثل حماية صندوق التعاضد وزيادة موازنة الجامعة واستقلاليتها واستحداث إدارتها اللامركزية والمجمعات الجامعية والسكن الجامعي والملاعب والمطاعم اللائقة وغيرها. ومن أجل ذلك سيستمر النضال المرير في وجه سلطة عقيمة وحاقدة على الجامعة الوطنية وأهلها جميعا. وسيكون النضال مريرا أكثر في ظل موازنة عامة وضعت لنهب مدخرات ورواتب وحقوق الطبقات الفقيرة والمتوسطة. موازنة تضرب أعمدة الاقتصاد والوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي وسيادة القانون المتمثلة بالجامعة الوطنية والجيش والقضاء. موازنة لدولة مفلسة لا تريد الذهاب إلى مكامن الهدر والسرقات لتحصيل حقوقها وتستعيد سيطرتها على مقدراتها”.
وقال: “قلنا مرارا إن هذه السلطة هي المسؤولة عن الإضراب وضياع العام الجامعي وأخذ الجامعة وأهلها رهائنا لسياستها العوجاء. هذه السلطة هي التي أوقعت الأساتذة بين شاقوفين: شاقوف المطالب المحقة المتبقية بدون أفق قريب (روحوا أضربوا قد ما بدكن)، وشاقوف استكمال العام الجامعي لأحبائنا الطلاب. فكان خيار الهيئة الديمقراطي الانحياز للطلاب ووقف الإضراب الموقت ريثما ينتهي العام الجامعي. خيار فيه تغيير لخطة التحرك في هذا الوقت و فيه العودة بعدها للإضراب المستمر حتى تحقيق المطالب في معركة ستكون أقسى بأدواتها وإجراءاتها. هذا الخيار أحدث التباعد بيننا وبين بعض الأساتذة. وقد شابت طريقة وقف الإضراب الموقت شوائب نظامية وسياسية وحزبية عملت مرارا على إبعادها عن ساحة الرابطة مع احترامي لحرية التعبير والعمل الحزبي. لكنني هذه المرة لم أوفق بالحفاظ على الاجماع في أخذ القرارات، بحيث استبعد الرجوع إلى الهيئة العامة ونجح التصويت في إقصاء مجلس المندوبين عن البت بمصير الإضراب. وهكذا حصر القرار في داخل الهيئة التنفيذية. مما أدى إلى إضعاف الهيئة وأبعد شريحة كبيرة من الأساتذة عنها. هنا رأيت نفسي على تباعد مع بعض الأساتذة داخل وخارج الهيئة، ممن لم يستطع فهم موقفي. أشعر أن وجودي في الهيئة لم يعد مفيدا، إذ لن يكون بمقدوري تقديم أي جديد في ظل التباينات الحادة وانعدام الانسجام و الثقة مع البعض في الجسم التعليمي”.
أضاف: “بناء على كل هذا، أتقدم باستقالتي من الهيئة التنفيذية وأرجو أن تعود الرابطة إلى وحدتها ونهجها النقابي الحر والمستقل، وأن توفق في متابعة تحصيل كافة المطالب وتحصين كافة الحقوق وأن تبعد عنها كافة التدخلات الطائفية والسياسية. وأن تحافظ على الشعار: الرابطة لن تكون إلا لأهلها. إني أخرج الآن من الهيئة غير نادم على مواقفي ومبادراتي، مرتاح الضمير مرفوع الرأس، محافظا على حريتي واستقلاليتي وقراري الحر، ومسامحا من لم يفهمني وقد عاب علي ممارسة حقي الديمقراطي في موقف مغاير لموقفه. كما اعتذر من الذين اعتبروا أن موقفي أساء إليهم، ومن الزملاء في الهيئة الذين استقالوا دفاعا عن كرامتهم وعملت على إقناعهم بالعودة عنها للحفاظ على وحدة الرابطة”.
وختم: “أشكر جميع من ساندني من أساتذة وإداريين ومجتمع مدني والطلاب الذين تضامنوا معي بالأمس في رسائلهم بالمئات. كما أشكر الأطراف السياسية التي وثقت بي وكافة المنظمات المدنية وأساتذة الجامعات الشقيقة التي تضامنت مع الرابطة. وسأمارس حريتي ونشاطي في الدفاع عن الجامعة من خارج الهيئة التنفيذية و في ميادين فكرية وثقافية أخرى متاحة”.