جورج كلّاس – العميد السابق لكلية الإعلام
التركِيبةُ الطائفيةُ السياسيُّةُ للبنانَ مَعْطوفَةٌ على النظامِ الطَائِفي والمَذْهبي المُتَحَكِّمِ بِأَوْصالِ البلَدِ مِنذُ تَأسيسِ هذهِ التركيبة سنةً١٩٢٠ مع ( إعلان لبنانَ الكبير ) وصولاً الى الإستقلالِ سنةِ ١٩٤٣ مروراً بإعلان الدستور اللبناني ١٩٢٦ والطائف ١٩٩٢ لا تزالُ ، رُغْمَ ما يُغْدَقُ عليها من أَوْصافٍ و نُعُوتٍ تَبجِيلِيَّةٍ ، تعيشُ مَرْحَلَةً إِختبارِيَّةً لِنظٍامٍ طُوبَاوِيٍّ لا ضَوابِطَ له ، و لِفَتْرَةٍ تَجريبِيَّةٍ كَثيرَةِ الإنزِلاقاتِ ، لَمْ يَقدِرْ أَنْ يَخْرُجْ لبنانُ معها مَنْ دائِرَةِ ضُعْفِها و مَخاطِرِ إِستِهدافاتِها المُتَناسِلَةِ ، حَيْثُ أَزَمَةٌ تُوَلِّدُ أَزَماتٍ ، و الحُلولُ دائِماً مُعَلَّقَةٌ على( تِينَةِ يُوضاسِ ) الخائِنِ..!
زِبْدَةُ الكلامِ الذي تَقودُنا اليهِ الأَزّمَةُ السياسيةُ الظاهِرَةُ ، والبَهْلَوانِيَّاتُ المَصْلَحِيَّةُ المُعَلَّبَةُ ، هو التَذكيرُ الواجِبُ ، أَنَّ لبنانَ بَلُدُ تَوازُناتٍ و تَعادُلاتٍ ، و لَيْسَ بَلَدَ تَعايُشَاتٍ و مُجامَلاتٍ تَسْقُطُ مَعْ أوَّلِ إِرْتِجاجٍ سِياسيٍّ و هَزَّةٍ تُهَدِّدُ التَوازُناتِ و تَلْعَبُ على رُقْعَةِ شَطْرَنِجِ المِنْطَقَةِ المُتَفَجِّرَةِ والدَائِمَةِ التَشَظِّي ،من دونِ تَخْطيطٍ إِستراتِيجِيٍّ و خارِجِ أَيِّ رِؤيَةٍ مُستَقْبلِيَّةٍ تَرْسُمُ معها دَرَجاتِ الخُطواتِ الوِقائِيَّةِ الواجِبِ إِتِّخاذُها لِلحِفاظِ على الوِئَامِ المُجْتَمَعِيِّ و السِلمِ التوافقي بينَ الطوائِفِ والمَذاهِبِ والجَماعاتِ التي يَتَكَوَّنُ مِنها المُجْتَمَعُ السياسيُ اللبناني ، والذي أَثبَتَ أَنَّ فَرادَةَ صِيغَتِهِ تَرْتَكِزُ على مَدَى قابِلِيَّةِ المُكَوِّناتِ الشعبيَّةِ أَنْ تَكونَ نَماذِجَ نَوْعِيَّةً و مُتَنَوِّعَةً في مِنْطقَةِ مُتَفَجِّرَةٍ عُنْصُرِيَّاً ، و تُشَكِّلُ النَقيضَ النافِرَ لِعُنْصُرِيَّةِ الكِيانِ الصُهيونِيِّ والذي تُشَكِّلُ الصيغَةُ اللبنانيةُ نَقيضَها الأَوَّلَ و الأَوْحَد..!
حِيَالَ هذا الواقِعِ السياسيِّ والظَرْفِيِّ المَأْزومِ ، الذي يَعيشُهُ اللبنانيونَ مع كُلِّ إستحقاقٍ دُستورِيٍّ ، تَطْفو على وَجْهِ المَاءِ قَضِيَّةٌ مَفصَلِيَّةٌ على صَعِيدِ العلاقَةِ التي تَنْتَظِمُ المُكَوَِناتِ الشعبيَّةَ والسياسيةَ والطائفيةَ لِلبنانَ ، هِيّ التَفريقُ بينَ مَفهومِ ( التعايش) الذي يَشي بِأَنَّهُ هو مَرْحلَةٌ إِختباريَّةٌ لَنْ يُكْتَبَ لها النَجاحُ طَويلاً ، و مَفهومِ ( التكامُلِ ) بينَ المُكَوَِناتِ المُجتَمَعِيَّةِ اللبنانية ، والذي أَطْلَقَهُ الرئيس نبيه برِّي كَتَعبيرًٍ تَصْحِيحِيٍّ لِمُصْطَلَحِ ( التعايش) و ( التعدُدِيَّة) أَوْ ( العَيْشِ المُشترَك) ، حَيْثُ إِعتَبَرَ أَنَ لِكُلٍّ من الطَوائِفِ والمذاهِبِ والجماعات التي يتشكَّلُ منها لبنانُ دَورَها الفاعِلَ في تَكوينِ (الدائِرَةِ الوطنيَّةِ ) و تَشَكُّلِها، والتي إذا ما ضَعُفَ مِنها شُعَاعٌ ، إنهارَ باقي أركانِ الدائِرَة.
من هذا المَنطوقِ (لِلمَفْهومِ التكامُلِيِّ) ، يُصْبِحُ لازِماً على كُلِّ اللبنانين الصَادِقينَ و غَيرِ المَوْسَمِيِّين أَنْ يَنْحوا الى حالَةِ { التكامُلية} كَخَيارٍ وطنبٍّ ، بما تَعنِيهِ { التكاملية } مِنْ تَضَافُرٍ تَعاضُدِيٍّ بين كُلِّ الطبقاتِ والطوائفِ والمذاهِبِ والأحزابِ ، وأنْ يُقْلِعوا عَنِ شُرورِ و مخاطر { التَعَدُّدِيَّةِ } بما تُضْمِرُهُ من فَتْحٍ دائِمٍ لِشُروخِ الأزماتِ و تَشَقُّقٍ لِجِراحِ البَعْضِ .
لَقَدْ أَمٌسى إِسْقَاطُ مصطلَحِ { التَعَدُدْيَّة } و اجِباً وَطَنْيَّاً ، و أَصْبَحَ إِعلانُ { التَكامُلِيِّةِ} ضَرورَةً وطنِيَّةً تَقَعُ بِمَنْزِلَةِ الدُستورِ و أَقوى..!
إِنَّ التَبَصُّرَ والتَفَكُّرَ بِدِقَةِ المرحلةِ المصيريَّةِ التي يَمُرُّ فيها لبنانُ ، في زَمَنِ الصراعاتِ الدَوْلِيَّةِ والتجاذُباتِ الإِقلِيمِيَّةِ ، يُحَتِّمُ على الصادقينَ الغَيورينَ على ( لبنان الكيان) أَنْ يَنتَصِروا لِبعضِهم و يتناصروا لِلْحَقِّ … و لَيْسَ أَنْصَرَ و أَعدَلَ و أَشْرَفَ مِنْ أَنْ نُعْلي الصَوتَ مُنْشْدينَ : ( نَحيا مَعاً أَوْ نَموتُ مَعَاً ) ، و لَنْ نَقْبَلَ أَنْ يُسْتَضْعَفَ مُكَوِّنٌ أَوْ يُسْتَهدَفَ آخَرٌ..!
مِنْ حَقِّ المَكَوِّنِ الشيعيِّ اللبناني في (زَمَنِ تَبدُّلِ الدُوَلِ) والإنقلابات ، أَنْ يَخافَ و يَحْتَاطَ وأَلَّا يُسَلِّمَ رَقْبَتَهُ لِلقَدَرِ..!
هو حَقُّهُ أَنْ يخافَ على نَفسِهِ و على لبنانَ … و نَحْنُ من واجِِبِنا أَنْ نُطَمْئِنَهَ على غَدِهِ و غَدِنا مَعاً واَنْ نقولَ لهُ : مَصيرُكَ هو مَصيرُنا جَميعاً..
نحنُ نُناصِرُ ( شيعةَ لبنان ) في حَقِّهم ودورِهمِ الوجُودِيِّ ، و لا نَنتَصِرُ لإِستهدافِهم ، و لا نرضى لهُم ، لا أَنْ يَسْتَأثِروا ، ولا أَنْ يُسْتَهدَفوا أَوْ يُستَضعَفوا …!
يقولُ منطِقُ { التكامليَّة } إن كُلَّ اللبنانيين لكلِّ لبنان ، و كُلُّ لُبنان لكلِّ اللبنانيين ..!