بقلم: رضوان عقيل
يتوقف كثيرون عند مسألة الخلاف بين الكنيسة المارونية والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى على خلفية جملة من التباينات في النظرة الى شكل المشاركة السياسية في صنع القرارات واتخاذها وشكل الحكومة المنتظرة وصولا الى طرح بكركي للحياد. واذا كانت الردود تحصل بين القوى السياسية والحزبية فهذا امر طبيعي ويبقى وقعها أخف على القواعد من صدورها عن رؤساء الطوائف. ولا يعني هذا انه ليس من حق المراجع الدينية ورؤساء الطوائف ابداء وجهات نظرهم السياسية وأقله في المفاصل الكبرى التي تمر بها البلاد حيث يدب الشلل في اكثر من ادارة ومؤسسة وعدم استفادة الافرقاء من المبادرة الفرنسية التي يراها الكثيرون من اللبنانيين انها تشكل حبل خلاص للهروب من هذه الازمات الحاصلة وتحسباً من التوجه نحو انهيارات اكبر. وامام تصاعد وتيرة الخطاب الطائفي على مستوى رؤوس الهرم الدينيين وانسحابه على القواعد في الشوارع وما يظهرعلى مواقع التواصل الاجتماعي ليس الا عينات صغيرة عن حقيقة هذا المشهد. وبالامس كان التحذير من نيران سنية – شيعية حيث يخشى من انتقال هذه الشرارة بين المسيحيين والشيعة.
ويبقى ان العاملين منذ سنوات طويلة على خط التقريب بين المذهب الاسلامية والمسيحية في لبنان باتوا يتحسسون جملة من اخطار الخطب والردود المتبادلة ولو بقيت بين الافرقاء والندوة البرلمانية لتم تجاوز الامر لكن ان يصدر من الكنائس والمساجد والصروح الدينية فثمة مسائل لا يمكن السكوت عنها. وفي معلومات لـ”النهار” ان اتصالات تجري بين الاعضاء السبعة للجنة الحوار الاسلامي- المسيحي لعقد اجتماع لترطيب الاجواء بين بكركي والمجلس الشيعي وان لم يقدروا على تسجيل خروق كبيرة، فأنهم على الاقل سينشطون على انتاج عوامل تهدئة وان بقي كل منهما على خطابه ومنطلقاته. وان الهدف من هذه المساعي تهدف الى تخفيف موجات الاحتقان لأن ثمة خشية ان يتسع شعاعها في الشارع وتؤدي الى فتنة مسيحية- شيعية لا يريدها العقلاء من اللبنانيين وابناء الطائفتين. وعند طرح فكرة التئام اللجنة رحب الاعضاء به ولا سيما ان خطوط التواصل في ما بينهم ليست مقطوعة. وفي حال توصلوا الى مجموعة من النقاط المشتركة سيقوم وفد منها بزيارة بكركي والمجلس الشيعي. ويجري التعويل على دور اللجنة لتقوم بمهمة اطفائية بغية تخفيف سخونة المواقف وان بقي الكباش مفتوحاً بين الافرقاء السياسين على تحديد من سيتسلم حقيبة المال وكيفية اختيار الوزراء وتوزيع الحقائب. ولذلك يسارع غيارى من اعضاء لجنة الحوار الى تخفيف الردود بين المرجعيات الدينية والابتعاد عن لغة التخوين التي لا تصب في مصلحة احد. وان التراشق فوق السطوح لا يفيد احداً. حيث يظهر ان كميات من الاحتقان المدفون في النفوس سيفجر المشهد في البلد اذا لم تتم المسارعة الى لملمة الخطابات التي خرجت عن القواعد والمألوف. وثمة من يقرأ ردود الفعل الشيعية من باب المعاين وليس من زاوية الطرف ان هذا المكون بدأ يشعر بأن “الثوب السياسي” الذي يرتديه في البلد بدأ يضيق على قياسه ولا سيما في ظل هذه الهجمة الاميركية التي تعترضه. وان مشروع هذا المكون بحسب من لا يلتقون معه يشكل هواجس كبيرة لباقي المكونات في البلد ولا سيما في ظل وجود سلاح المقاومة.
ولم يغب التطور الحاصل بين بكركي والمجلس الشيعي عن مداولات لقاء المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى امس برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وبحضور الرئيس فؤاد السنيورة الذي تحدث عن وقوع “استعصاء في عملية التأليف” مع الأمل في حصول حلحلة. وان الاختيار رسا على شخصية مصطفى اديب غير السياسية لرئاسة الحكومة وان المطلوب الاتيان بوزراء من قماشته. وان حكومة المهمة هذه مدتها قصيرة. وبدا وكأنه يدعو السياسيين الى الاستراحة في هذه الاشهر. وان المطلوب من الجميع تسهيل المبادرة الفرنسية. وشدد المجتمعون ولا سيما من طرف دريان والسنيورة ان السنة “طائفة جمع” بين اللبنانيين وستكون العامل اللاصق بين اللبنانيين.
وبالعودة الى مواضيع اليوم الشائكة لا بد من الاشارة الى ان بكركي سواء من يتفق او يختلف مها تبقى المؤسسة الدينية الاولى في البلد والمتحررة من التدخلات السياسية لممثليها في الدولة بدءا من رئيس الجمهورية وكثيرا ما اصطدمت بكركي مع طروحات رؤساء الجمهورية المتعاقبين منذ الاستقلال في العام 1943 الى اليوم. وثمة وقائع ومحطات عدة تحكي عن العلاقة السيئة واقامة الجدران العالية التي رفعت بين البطريرك بطرس المعوشي والرئيس كميل شمعون. وكان للكاردينال مار بشارة بطرس صفير اكثر من مواجهة مع الرئيس اميل لحود. ولا تسير العلاقة على ما يرام اليوم بين الرئيس ميشال عون والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يتصدر المشهد في الاشهرالاخيرة.ولم يصل الامر بأي بطريرك الى الدعوة لاستقالة اي من رؤساء الجمهورية لان بكركي تعرف سلفا خطورة مثل هذا الطرح وانعكاسه السلبي على المنصب الاول في البلد.
وفي المقابل لا يغيب الحضور الطاغي لرؤساء الحكومات والبرلمانات المتعاقبين على مؤسستي دار الفتوى والمجلس الشيعي نتيجة جملة من الاعتبارات على عكس حال بكركي التي ينتخب مطارنتها بطريركهم بينما هذا المناخ لا ينسحب على مفتي الجمهورية والمجلس الشيعي ايضا. ولا تغيب كلمة المختارة ايضا عن اسم شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز من ايام كمال جنبلاط.
في لبنان يتداخل الصوتان السياسي والديني وكم يحتاج اللبنانيون الى صوت العقل هذه المرة ليكون هو السائد ليكون العلاج لتأليف الحكومة وغيرها من القضايا الشائكة.
radwan.aakil@annahar.com.lb