د. سامر ماهر عبدالله – ليبانون تايمز
من الطبيعي أن تتعدد الطروحات السياسية في لبنان بعد سلسلة أزمات هددت بشكل غير مسبوق مستقبل الكيان اللبناني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بحيث أصبح ملحا البحث عن حلول جذرية للواقع الراهن .
أحد الطروحات الأساسية والجدية للخروج من الأزمة هو ما صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري حول الدولة المدنية كتأكيد على مشروعه المستقر في هذا الجانب والذي يتلخص بإنتاج دولة مواطنة فيها عدالة سياسية واجتماعية واقتصادية دون شطب الأديان من المعادلة الوطنية والاجتماعية بل النظر إليها كعنصر إيجابي يعكس النموذج اللبناني المرتكز على الحوار البناء بين الأديان .
الطرح الآخر يرتكز على تطوير الصيغة اللبنانية والبحث في عقد إجتماعي أو تأسيسي جديد ينتج عن حوار إرادي وبناء ومتوازن بين المكونات اللبنانية . هذا الطرح لا يخرج أصلا عن نص وجوهر إتفاق الطائف الذي وجد أصلا ليطبق بكافة بنوده بحيث يجب أن يلتقي في النهاية مع الطرح الأول ويوصل حكما إلى الدولة المدنية .
القراءة الموضوعية للمسألة اللبنانية تبين أنها مسألة سياسية بامتياز بحيث لا إصلاح إقتصادي وإجتماعي دون الإصلاح السياسي . هذه المسلمة يتجاهلها البعض عن قصد لأخذ البلد نحو طرح مشاريع أخرى مثل الحياد .
لنعد إلى طرح الحياد ، فهو مشروع يتعلق فقط بمحاولة تحييد سلاح المقاومة اللبنانية عبر تحميلها مسؤولية مشاكل لبنان كافة وهو طرح يتجاهل حقا كافة مكامن الخلل السياسي والإقتصادي والإجتماعي في لبنان .
إذا ، طرح الحياد الذي تم تظهيره كآلية وحيدة لحل المسألة اللبنانية – أتى بعيدا عن كل ما يعانيه لبنان منذ نشأته بسبب الطائفية السياسية التي تمنع وجود حكم فعال والتي تمنع وجود محاسبة برلمانية وقضائية وشعبية للحكومات المتعاقبة .
والأكثر غرابة ، أن طرح الحياد أتى في ظل إصرار غير مسبوق على رفض استكمال الطائف من خلال التمسك بالمناصفة مما يطرح سؤالا جديا حول قيمة ما قد يتفق عليه اللبنانيون حاضرا أو مستقبلا .
أرى أن العودة إلى الدستور هي الأساس ، وأن الإرادة السياسية العليا في البلد مصدرها الشعب من خلال مجلس النواب ودون ذلك نكون قد أدخلنا البلد في الرأي الشخصي وليس في الرأي الوطني .
لا أرى في طرح الحياد سوى تعقيد للمسألة اللبنانية ، ولا يجوز أن يكون الطرح الفرنسي – الذي تجنب الطروحات الأميركية المطالبة بنزع سلاح المقاومة – أكثر موضوعية من بعض الطروحات اللبنانية . لذا ، أجدد القول أن إنتاج دولة مدنية عادلة من شأنه أن يعيد صياغة البلد بشكل إيجابي قبل فوات الأوان ، علما بأن اللبنانيين قد ناقشوا بحرية ، وأكثر من مرة مشروع المقاومة واتفقوا على ضرورته وهذا ما عبرت عنه جميع الحكومات المتعاقبة في بياناتها الوزارية .