د. سامر ماهر عبدالله – ليبانون تايمز
أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مؤخرا عدة مواقف تؤكد اعتماده سياسة جديدة ستؤدي عما قريب إلى رفع الدعم عن السلع التي يتم استيرادها بدولارات المصرف المركزي على سعر الصرف الرسمي المتمثل بحوالي ١٥٠٠ ليرة للدولار .
حجة المصرف المركزي في هذا التوجه الجديد أنه بدأ يفقد مخزونه من الدولارات وأنه لا يمكنه المس قانونا بالإحتياطي الإلزامي الذي هو أساسا ملك المودعين . عدا عن أن حاكم مصرف لبنان أعرب عن عدم اقتناعه بجدوى سياسة الدعم التي يستفيد منها بعض التجار خلافا للمناقبية التجارية …
قد نوافق على أن سياسة الدعم الراهنة أتت في ظل ظرف استثنائي وهي تصلح – وخاصة في لبنان لفترة انتقالية فقط على أن يعود الاستقرار الى السوق بالتوازي مع سعي الحكومة لإمتصاص صدمة الظرف الإستثنائي عبر تأمين بدائل لآلية الدعم .
غير أن الفترة الإنتقالية في لبنان قد طالت وفي ذات الوقت تراجعت إلى الحدود الدنيا قدرات المصرف المركزي النقدية، وهناك خوف جدي – بعد وقف الدعم – من توجه التجار المستوردين نحو السوق السوداء لتأمين الدولارات اللازمة للاستيراد مما قد يؤدي إلى مزيد من الضغط على طلب الدولار فيرتفع سعره مجددا .
هذه المعادلة تعيدنا إلى صلب المشكلة ، فالتجار أصلا يملكون دولارات جرى حجزها لدى المصارف شأنهم شأن سائر المودعين ، وفي حال تحرير ودائعهم لا تعود هناك أي مشكلة خاصة وأن المستورد ليس بوارد تهريب دولاراته للخارج ويمكن للسلطة النقدية بكل بساطة مقارنة ما دفعه كمقابل لما استورده .
لذا نعود إلى أهمية تنظيم سوق الصرف الأجنبي في لبنان عبر قانون الكابيتال كونترول ، على أن يكون هذا القانون مؤقتا ومرنا بحيث يعطي المصرف المركزي هامشا واسعا في تنظيم سوق الصرف الأجنبي وفقا لأحكامه .
إن المشكلة الأساس في لبنان كانت في خروج المصارف من سوق العملات بشكل مفاجئ ، وتم ترك الساحة للصيارفة وتجار السوق السوداء وهنا الخطيئة الكبرى فجرى ابتزاز اللبنانيين – ونحن في اقتصاد مدولر – ووصل سعر الدولار قياسا على الليرة إلى حدود غير منطقية وليس لها مبررات إقتصادية .
بالعودة إلى قرار رفع الدعم ، فإنه من الناحية النقدية مقدمة لإعادة الحيوية إلى دور المركزي للتدخل في سوق قطع العملات الأجنبية من خلال الدولارات التي يملكها وهذا دور أساسي له وفقا لقانون النقد والتسليف لكونه مؤتمن على سلامة الليرة واستقرار سعرها .غير أننا هنا حكما لا نتحدث عن التدخل في سوق الصيارفة بل في سوق المصارف . لذا رفع الدعم يجب أن يترافق مع عودة المصارف التدريجية الى الحياة النقدية تمهيدا لإعادة الدولار الى ما بين ٣٥٠٠ – ٤٠٠٠ لليرة .
في هذه الحالة نخفف جزئيا من كارثة رفع الدعم التي سترافقها ما سمي بالبطاقة التموينية للعائلات اللبنانية محدودة الدخل وأنا أقترح هنا أيضا بطاقة صحية للبنانيين غير المضمونين تخولهم شراء الدواء بسعر ما بعد الدعم على أن تكون الأولوية للدواء اللبناني وثانيا للدواء الجينيريك .
وسياسة البطاقات يجب أن تكون بدورها مؤقتة لأنه حكما سترافقها شوائب على أن يتم الرجوع عنها عند تصحيح الأجور . غير أن رفع الدعم سيحقق وفرا يذهب حاليا للمقيمين غير اللبنانيين .
كل ذلك أيضا يجب أن يترافق مع إعادة الهيبة للسلطة النقدية على المصارف وهذا ما حاولت التعاميم المركزية الاخيرة تحقيقه لناحية إجبار بعض المودعين على إعادة نسبة مما حول للخارج – تهريبا – من دولارات الى السوق اللبناني .
كما يجب أن تكون الوزارات المختصة مواكبة لسياسة المصرف المركزي الجديدة وأن يكون كل ذلك وفقا لقانون جديد ينظم سوق الصرف في لبنان .
إن فرص نجاح سياسة المصرف المركزي الجديدة – عدا عن ضرورتها – مرتبطة أيضا بالإنفراج السياسي والنجاح في تشكيل حكومة تؤمن متطلبات الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي بشقيها الداخلي والخارجي وعبر تأمين دفق نقدي اجنبي الى السوق اللبناني .