شارك المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في أعمال المؤتمر العلمائي الالكتروني بعنوان “الإمارات والمطبعين بين التحريم والتضليل”، الذي دعت إليه “مؤسسة عاشوراء الدولية” و”مركز الأمة الواحدة” و”مركز الإسلام الأصيل” و”مجلس علماء فلسطين” و”تجمع العلماء المسلمين” في لبنان.
ولفت قبلان إلى أن “الحديث عن التطبيع مع كيان صهيوني عنصري قام على القتل والإبادة والمجازر، وبدعم غربي منقطع النظير هو أمر خطير للغاية، لأنه في مثابة إعلان حرب على المواثيق والقيم الأخلاقية والدولية كافة، وبخاصة أننا في مخاض عالم يعيش على دماء الشعوب أكثر مما يعيش على القيم والمبادىء والإعلانات الحقوقية الدولية، وهناك قوى تصر على تكريس القوة للهيمنة من جديد ولإعادة تقسيم العالم كما حدث في ما مضى في مؤتمرات فيينا وفرساي وسايكس ووعد بلفور، من هنا التطبيع مع الكيان الصهيوني يعني تطويع الجغرافيا والسياسة والأمن والاقتصاد وكل خدمات الدولة المطبعة لخدمة وجود الكيان الإسرائيلي، الذي قام وما زال على العدوان والحروب والفظاعات التاريخية الماضية وما زال مستمرا. لا بد في الكلام عن التطبيع مع الإسرائيلي أن نبين مدى خطورة هذا التطبيع”.
كما أشار إلى أن “التطبيع يعني الاعتراف بكيان صهيوني ارتكب إبادات ومجازر هائلة وفظاعات ليس لها مثيل بحق فلسطين وشعبها وقدسها ووجودها، وهي الدولة التي تعثو في الأرض فسادا… التطبيع يعني الركون إلى الذين ظلموا والله سبحانه وتعالى أمرنا بعدم الركون إلى الظالمين”، منوهاً بأنه “لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار. التطبيع يعني تدعيم قوة تل أبيب وتمكينها ومساعدة سلطتها المحتلة لكي تزيد من منسوب قدرتها على مصادرة فلسطين وقدسها، بل على وضع اليد على سائر المنطقة. التطبيع يعني خذلان الحق والعمل على كسر معسكر الحق ويطلب منا الانتماء لمشروع دموي محتل وجبهة عدوان وإعلان شراكة كاملة مع كيان عنصري: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء”.
وشدد قبلان على أن “التطبيع يعني كارثة دينية وأخلاقية وسياسية ومجتمعية والأكثر خطورة يكمن في تطويع الأرض والجغرافيا عبر التعاون الأمني لخلق تل أبيب جديدة في مناطق جديدة، سواء في المنطقة العربية والإسلامية أو غيرها، وهو جزء من المشروع الأميركي الذي يعتمد سياسة بناء مد الجسور لكي يحول إسرائيل إلى كيان شرق أوسطي على طريقة تمزيقه وإثارة الفتن والحروب والخراب بين الدول العربية والإسلامية لتأكيد مشروع تهويد المنطقة، وأمركة الشرق الأوسط”.
وأكد أن “التطبيع كان في الماضي يعني خيانة كبرى، أما في يومنا المعاصر هو جزء من معركة واشنطن لتطويع العرب والدول الإسلامية بهدف إعلان شراكة كاملة مع تل أبيب يكون فيها للاسرائيلي القدرة على السيطرة والقوة والنفوذ الشرق أوسطي، كعملية استعمارية جديدة للمنطقة. ولا يمكن أن ننسى أن التطبيع اليوم جزء رئيسي من خريطة صفقة القرن، لذا هو عبارة عن زيادة زخم القوة إلى جانب تل أبيب التي تعيش لحظة قلق استراتيجي بسبب المحور الذي يطوقها بالصواريخ الثقيلة والدقيقة ويمكن من الإمكانات ما يمكن أن يدمرها”.
وأفاد كذلك بأنه “من هنا، التطبيع ليس أمرا محرما فقط، بل هو أمر كارثي على مستوى الضمير الديني والسياسي والأخلاقي والانتمائي، بلا فرق بين المطبع والمطبع مهم، وعليه نحن اليوم أمام مشهد أحلاف استراتيجية تتخذ من عملية التطبيع جزءا من شروط حرائق المنطقة، والمعركة معركة منطقة بأكملها، والأميركي حتما ليس وسيطا أو قاضيا نزيها فيها، بل هو رأس الجبهة التي تدير ملفات تل أبيب الدموية لقلب المنطقة، وإبادة ناسها وكياناتها النظيفة. والكارثة أن ما نراه من تغيير سياسي شامل سواء عبر قلب الأنظمة أو الانقلابات البيضاء أو زرع زعامات جديدة في قلب الأنظمة الفاسدة، إنما يجري عبر أدوات داخلية عن طريق خرائط أميركية تهيىء ما أمكن من مراكز القرار في المنطقة للدخول في شراكة تطبيعية شاملة مع تل أبيب تمهيدا لإعلان حرب شاملة في وجه المحور المقاوم”.
بموازاة ذلك، أوضح قبلان أنه “بالمنطق الجهادي، المنطق التاريخي، المنطق الإنساني ومصالح المنطقة، تعني ضرورة زيادة التحشيد وبناء أسباب القوة الاستراتيجية للمعركة الكبرى، لأن منطق واشنطن وتل أبيب يعمل على تأسيس مشروع قوة وظيفتها إعلان حرب نهائية، حرب تضع تل أبيب على رأس نظام إقليمي يملك قرار المنطقة، ويعيد توجيه قوة المنطقة لخدمة المشروع الأميركي الإسرائيلي على حساب مصالح ودماء وأولويات شعوبنا وإنساننا في هذه المنطقة. أما كتجربة نعيشها فعليا، نرى أن المحور المقاوم أكد قدرة المقاومة كقوة فاعلة بحجم المنطقة ومخاطرها، قوة حولت قاعدة عين الأسد الاستراتيجية إلى خردة، قوة حمت سوريا ومنعت حلف عشرات الدول بقيادات واشنطن لإسقاط دمشق، قوة حولت لبنان إلى حصن استراتيجي مقاوم يبعث الرعب في ملاجىء تل أبيب، قوة حولت العراق من بلد محتل أميركيا إلى بلد يختنق فيه الأميركي في الملاجئ العفنة تحت الأرض. قوة حولت غزة إلى ميدان رعب، ومع هذا المحور أصبحت تل أبيب كيانا مأزوما، كيانا مخنوقا، كيانا مطوقا بالصواريخ الدقيقة والثقيلة”.
وأشار إلى أن “الأكيد أن تل أبيب اليوم تعيش على الحماية الأميركية الأطلسية وليس بسبب قدراتها الذاتية، لذلك كطريقة لإنقاذ تل أبيب من ورطتها الاستراتيجية، تعمل واشنطن على مد جسور الإنقاذ لها، عبر أنظمة فاسدة ومنه التطبيع العلني، الذي لن يقدم شيئا يذكر لتل أبيب وواشنطن لأن زمن الخنوع انتهى، وبخاصة أن محور المقاومة يملك من القوة والكيانات والقدرة والسلاح الاستراتيجي والكفاءة الذاتية ما حول واشنطن إلى قوة استغاثة على طول المنطقة، وما نراه اليوم من زحف البعض المأزوم نحو تل أبيب إنما هو انتحار ودمار، لأن التاريخ يكتب في ميادين المحور المقاوم وليس بتطبيع الأنظمة المهزومة والخيارات الفاسدة”.
وأوضح أنه “نحن هنا لسنا لإعلان حرمة تطبيع فحسب، بل لمواجهة التطبيع، ومنع قدرته في المنطقة وتحويله بالتالي إلى أزمة إضافية، وهو ما يحصل اليوم، المستقبل حتما للشرفاء والمقاومين بمن حول طهران إلى مركز قوة لإنتاج منطقة تتصالح مع الحق والتاريخ والقيم الدينية والإنسانية، وليس لمن شيد كيانه على الإبادة والمجازر والفظاعات أو من تم زرعه في مراكز حكم كقناع للاستعمار والطغيان”، مؤكداً أنه “في هذه الأيام، أيام الحسين بكل ما يعنيه الإمام الحسين من عظمة وقدرة وتعبئة ومشروع انتصار وتكوين أمة أبية، نعلن حرمة التطبيع، ووجوب مواجهته وإسقاطه وعزل مجرميه على طريقة تنظيف المنطقة من الخونة، تماما كمشروع تطهير فلسطين من الصهاينة، وهو طموح كان بعيدا وصعبا، أما اليوم فقد أصبح قريبا من متناول اليد”.