زهراء شرف الدين – ليبانون تايمز
لبنان استشهد الثلاثاء، لم يبق أحد على قيد الحياة إلا جسديا، إنفجار قتل البشر والشجر والحجر، وقتل معه حلم شعب بوطن قوي يحاكي تطلعاته، مزيد من الأعباء الثقيلة أضافها الإنفجار على بلد متعب، وبينما تحاول الدولة اللبنانية الخروج من أزماتها المتصاعدة اقتصاديا وماليا وسياسيا وغيرها.. هزّ الانفجار كل أنحاء العاصمة وطالت أضراره مختلف أنحاء مدينة بيروت، بدءا من محيط المرفأ وصولا إلى وسط بيروت والسراي الحكومي والمطار، وفردان والحمرا والضواحي…
يعتبر مرفأ بيروت الذي وقعت فيه المصيبة ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني، إذ انّه يلعب دورا أساسيا في عملية الإستيراد والتصدير، وبالتالي تحريك العجلة الإقتصادية اللبنانية، ويتميز بأهمية استراتيجية كبيرة كونه مستقبلا ومخزنا لأهم السلع الاستراتيجية التي تستوردها الحكومة مثل القمح، كما تتم نحو 70% من حركة التبادل التجاري بين لبنان ودول العالم عبر الميناء، وتقدر الخسائر جرّاء الإنفجار بمليارات الدولارات.
في هذا السياق يوضح الباحث في الإقتصاد السياسي الدكتور محمد حسن منصور لموقع “ليبانون تايمز” أن”لبنان باقتصاده الريعي يعتمد على الخدمات ويعتمد على الواردات بالسلع، فإيرادات المرفأ كانت تبلغ عام 2018 حوالي 100 مليون دولار، اما في عام 2019 انخفضت الإيرادات حوالي 13% الى 85 مليون دولار، وفي سنة 2020 كان أقل ولكن لا زال فعالا خاصة أنه يستورد حوالي 72% من واردات لبنان، ويصدر حوالي 78% من صادراته”، مشيرا إلى أن الخسائر موزعة على شقّين: قسم نتيجة توقف المرفأ عن العمل، والقسم الثاني كلفة الأضرار التي أصابت المرفأ، فالميناء فقط تقدر خسائره بحوالي 500 مليون دولار، 250 مليون للبنى التحتية وإعمار للأرض ( تحت الارض)، و 250 مليون دولار للمباني والأدوات (فوق الأرض) هذا عدا عن المنازل والبيوت والشركات”.
وأفاد منصور بأنه “لا يمكن بأموال الليرة اللبنانية إعادة إعمار المرفأ، لذلك سنحتاج إلى 500 مليون دولار من العملة الصعبة، من احتياط الدولار الموجود لدى مصرف لبنان، الذي سيستعمل لسد استيراد المواد الأساسية لإعمار المرفأ كون أن لبنان لا يصنّعها، وهذا سيؤدي الى شح بالدولار، وبالتالي ضرب الليرة اللبنانية أكثر، إضافة إلى أن المصرف بالأساس يقوم باجراءات تقشفية ويدعم المواد الغذائية والفيول والأدوية، لذلك الدولة لبنانية لا يمكنها إعادة الإعمار”، مؤكدا ان ” المشكلة ليست بإعادة الإعمار إنما بإيجاد مستثمرين يعيدون إعمار المرفأ، ولكنلإعادة الإعمار تحتاج الدول إلى الثقة بالدولة اللبنانية والسياسيين الموجودين، واتفاقات تجارية، ومصلحة ايضا، يعني أن هذه الدول تحتاج الى الاستثمار وإعمار المرفأ وبالتالي الإطمئنان انهم سيحصلون على مردود وأرباح ايضا”.
وأشار منصور إلى أنه “حاليا، لا يوجد اتفاق لإعادة إعمار المرفأ، وفي جميع الأحوال إعادة الإعمار تحتاج إلى وقت، لأنه يجب أن يكون هناك مناقصات لمعرفة من الذي سيدفع اقل، وبمشروع أفضل ليستلم الإستثمار”، وتمنى ان تجري العملية على الأفضلية، بعيدا عن المحاصصة”.
على ما يبدو انه ليس هناك حماسة لدى الدول بتقديم دعم مادي للبنان، انما دعم عيني من مواد غذائية وأدوية وغيرها، والسبب انه لا مصلحة في ذلك للدول ولا ثقة أن المساعدات المالية التي سترسل ستصرف بالشكل المطلوب، ولكن أي من المرافىء مؤهل للحلول بديلا عن مرفأ بيروت؟؟
يقول منصور ان “كل المرافىء الموجودة وخاصة مرفأ طرابلس يمكن أن تساهم بعملية الاستيراد والتصدير، فالعديد من السفن التي كانت تصدر وتستورد يمكن ان تعتمد على مرفأ طرابلس، ولكن قدرة مرفأ طرابلس لا توازي قدرة مرفأ بيروت، وبالتالي يمكن إنشاء مرافىء جديدة بقدرة استيعابية أصغر، وبطبيعة الحال على طول الساحل اللبناني، منذ زمن وأثناء الحرب الاهلية، كان هنالك مرافئ في الأوزاعي وخلدة وصور وغيرها، وبهذا يمكن اعتمادها او انشاء مرافىء جديدة”. معتبرا انه “بعد كل نكبة تخلق الفرص، وهذه فرصة للوصول الى نمو شامل في مناطق مختلفة”.
ولفت منصور إلى أن “الازمة الإقتصادية، غير مفتعلة، فالأزمة المالية والنقدية سببها أكثر من 30 عام من السياسات الإقتصادية والمالية والنقدية، والهندسات المالية الفاشلة التي أدت إلى ما نحن عليه”.
أما فيما يتعلق بتوفر مادة البنزين والمازوت بعد ان شهد اللبنانيين اختناقا بها في الاسابيع الماضية فيرى منصور، ان “المشكلة تم حلها على أسابيع فقط وليست نهائية ولكن يمكن أن تعود، لأن المشكلة لها عدة أسباب، واحدة منها الشح بالدولار، والإحتكار وكذلك البيروقراطية”، آملا ان يمتد هذا الحل خاصة بالإتفاق مع العراق والكويت.
اما عن تراجع الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أفاد منصور بأنه “يجب ان ننظر إلى السبب الذي ادى إلى صعود الدولار، فالدولار كان يوازي ال 5000 ليرة من حوالي الشهرين، ولكن بسبب الخوف لدى المواطنين، وتجميع الدولار، إضافة إلى عدم ثقتهم بالليرة اللبنانية إرتفع، ولكن في النهاية اضطروا الى بيع الدولار خاصة الأشخاص الذين لا يحتاجون اليه، لهذا نرى أن خوف الناس من ارتفاعه جعله يصعد ونفس السبب الخوف من انخفاضه جعله ينخفض، خاصة مع الإعلان عن تعميم ان الـ”OMT” سيعطي المال بالدولار، وهذا يبعث الخوف لدى الأفراد من انخفاض الدولار، فيقومون ببيعه، وبالتالي يصبح العرض على الدولار اكبر من الطلب وبهذا ينخفض سعره”.
أزمات متتالية تغرق البلد وكأنها لعنة حلّت على الوطن الحبيب، فانفجار بيروت الأسود أعاد لبنان إلى القاع، والأسف حاليا ليس على الحجر الذي يعوض، إنما على الأرواح التي مضت جراء إهمال المسؤولين، فهل سيحاسب من كان له صلة ولو صغيرة بالإنفجار، أم سيتملصون من الحساب وتحمل المسؤولية عبر إثارة الشارع ضد نفسه ليلتهي الشعب، وينجون بأنفسهم؟؟.