يُبرز تزامن انعقاد انتخابات إسرائيلية مبكرة، مع انعقاد القمتين الإسلامية والعربية وقمة مجلس التعاون الخليجي في مكة نهاية الأسبوع الماضي، و»ورشة البحرين» القادمة، طبيعة سياسة «الهواة» التي يتبعها الرئيس ترامب في الشرق الأوسط. وتوضح المعضلة التي تجد واشنطن نفسها فيه غياب أي فكر شامل من جانب هذه الإدارة تجاه إيران والعالم العربي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بهذا الوصف، اعتبر إميل نخلة، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بمقالة نشرها بموقع Lobe Log الأمريكي، أن سياسة ترامب الحالية في الشرق الأوسط فاشلة ولا تجدي نفعاً على مستويات عدة.
فشل «صفقة القرن»
ففيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يقول نخلة إنه وفي ضوء التصريحات العربية والإسلامية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة حول مستقبل التقارب الفلسطيني الإسرائيلي والحاجة إلى مثل هذه التسوية على أساس نموذج «الدولتين» و»الأرض مقابل السلام»، ستصبح «صفقة القرن»، أو «أجزاء منها»، التي يخطط جاريد كوشنر للكشف عنها في ورشة البحرين المزعومة في نهاية يونيو/حزيران، في «خبر كان» حال الإعلان عنها.
إذ أشار القادة العرب والمسلمون والفلسطينيون بالفعل إلى رفضهم للنهج الأمريكي، قائلين إن الدعم الاقتصادي مرحب به ولكن حقوق الدولة لا يمكن التغاضي عنها.
وحتى فيما يتعلق بإيران، لم يعد الزعماء الإقليميون متأكدين أو على بينة من الموقف الحقيقي لإدارة ترامب، مع أن السعوديين كانوا قادرين على الخروج ببيان عربي وخليجي وإسلامي «قوي» ضد إيران في القمم الثلاث. إذ كان القادة السعوديون والإماراتيون، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يطالبون بالحرب، التي يفترض أن يقودها الأمريكيون.
لكن بحسب التصريحات الأخيرة، بدا أن الإدارة تتراجع عن طريق اندفاعها نحو الحرب. ووفقاً لترامب، أصبح «تغيير النظام» خارج النقاش، وتراجعت الإدارة أيضاً عن الشروط القاسية المُبالغ فيها التي وضعها وزير الخارجية مايك بوميبو في وقت سابق كضرورة لإجراء محادثات مع إيران. إذ قال بومبيو في مقابلة صحفية أجراها مؤخراً: «مستعدون للدخول في محادثة دون شروط مسبقة، ومستعدون للجلوس والتفاوض».
ومستقبل نتنياهو السياسي هو الركيزة المتقلقلة الأخرى التي يقوم عليها صرح ترامب السياسي في الشرق الأوسط. إذ كان جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، مبعوثا الرئيس الخاصان المخولان للتعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يعتمدان على الموقف القوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي في إسرائيل ومنطقة الخليج للمساعدة في الترويج للخطة من خلال الهبات الاقتصادية. ولكن فشل نتنياهو في تشكيل حكومة، الذي أدى إلى انتخابات مبكرة من المُقرر إجراؤها في الخريف، ومشاكله القانونية، التي تلوح معها إدانته بتهمة الفساد، أضعفا موقفه، وألقيا بظلال الشك على العملية برمتها.
التقدير الخاطئ في الشأن الإيراني
يستند عداء الرئيس ترامب الانفعالي تجاه إيران وتصميمه على إخضاع النظام الديني على ثلاث ركائز، كما يقول نخلة، وهي:
1- الانسحاب من الصفقة النووية.
2- فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، وخاصة في قطاع النفط.
3- تشكيل تحالف عربي إسلامي إسرائيلي مع التركيز على احتواء موقف إيران الإقليمي وأنشطتها.
لكن سرعان ما تبين أن عداء ترامب كان عابراً.
إذ لم يرضخ النظام الإيراني، وعارض المشاركون الآخرون في الصفقة -الأعضاء الأربعة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا- تقويض الاتفاق النووي وحثوا إدارة ترامب على تسوية خلافات أمريكا مع إيران سلمياً. ويحسب لإيران أنها استمرت إلى حد كبير في الالتزام بالمتطلبات الرئيسية للاتفاق النووي.
واستمرت دول أخرى في التعامل التجاري مع إيران، بالرغم من العقوبات الاقتصادية القاسية قد وجهت ضربة قاصمة للاقتصاد الإيراني بما في ذلك شراء نفطها. ووحد تهديد الشعب الإيراني المتمثل في تغيير النظام على أيدي الولايات المتحدة، والنظامين الديكتاتوريين اللذين يحكمان السعودية والإمارات والحكومة الإسرائيلية اليمينية، هذا الشعب دفاعاً عن دولته التي تتمتع بالسيادة الوطنية.
أما الإيرانيون الذين يكرهون النظام الديني فلا يتفاءلون أبداً بإعلان قوة أجنبية الحرب على بلادهم للتخلص من نظامها بالقوة. ولا يزال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 حياً في ذاكرة إيران والمنطقة. ومثلما اكتشفت إدارة بوش آنذاك، لم يُترجم بغض العراقيين لنظامهم إلى رغبة في الغزو الأجنبي، وإيران لا تختلف بأي حال.
وكانت إدارة ترامب ببيعها كميات غير مسبوقة من الأسلحة المتطورة إلى السعودية والإمارات على الرغم من معارضة بعض أعضاء الكونغرس، تأمل في أن يُجبر هذان النظامان المدججان بالسلاح إيران على إنهاء دعمها للحوثيين في اليمن والاستسلام. ولكن الحرب استمرت دون انقطاع، وأصبحت الأسلحة التي زودت بها الولايات المتحدة الرياض وأبو ظبي تُستخدم لقتل المزيد من المدنيين في اليمن. ودون الاعتراف علناً بفشل دبلوماسية التهديد ضد إيران، يبدو أن إدارة ترامب تبحث عن مسار آخر لا يهدد بتغيير النظام، لكنه يتضمن مفاوضات دون شروط مسبقة.
تباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً بأن ترامب هو الرئيس الأمريكي الأكثر دعماً لدولة إسرائيل. وما عناه نتنياهو في الحقيقة هو أن ترامب أكبر مؤيد للسياسات اليمينية المتطرفة المؤيدة للاحتلال والمعادية للفلسطينيين التي يتبعها رئيس الوزراء الحالي.
إذ أعلن الرئيس ترامب، على الرغم من معارضة معظم الخبراء الإقليميين والدبلوماسيين السابقين -على سبيل المثال، سفيرا الولايات المتحدة السابقان لإسرائيل دانييل كيرتزر ومارتن إنديك- وبالرغم من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن القدس عاصمة لإسرائيل، ونَقَل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ووافق على «شرعية» سيطرة إسرائيل على هضبة الجولان. ولم تعد وزارة الخارجية بإدارة بومبيو، وزير خارجية ترامب، تستخدم لفظ «الأراضي المحتلة» لوصف الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل في الضفة الغربية.
وعلاوة على ذلك، أغلقت إدارة ترامب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وخفضت مساهماتها في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي توفر الإغاثة والتنمية الفلسطينيين، تخفيضاً حاداً. وأذعن الرئيس ترامب لاستمرار إحكام إسرائيل لقبضتها الاقتصادية على غزة واحتجاز معظم الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية في رام الله.
وخوّل الرئيس مستشاره الأمين وصهره جاريد كوشنر لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وقالت تقارير إن الخطة المزعومة -ما يسمى بصفقة القرن- ترتكز على المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين ولكن تحرمهم حقهم في تقرير مصيرهم كمجتمع سياسي.
ولسوء الحظ، فإن جاريد كوشنر هو أقل المؤهلين لدور «الوسيط النزيه» مع الفلسطينيين، كما يقول نخلة. إذ أنه دعم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ولا يؤمن بحق الفلسطينيين أو قدرتهم على حكم أنفسهم في دولة خاصة بهم إلى جانب إسرائيل.
ويعتقد كوشنر أن طريق السلام مع الفلسطينيين يمر من خلال محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد، وليّ عهد أبو ظبي. وهو مقتنع أيضاً بأن المليارات من الدولارات المتوقعة من دول الخليج ستخمد تطلعات الفلسطينيين في إقامة دولة عبر فرض نوع من القيادة الموالية لها من شأنها أن تظل خاضعة لإسرائيل لعقود قادمة.
ومثلما اتضح لكوشنر في أعقاب القمتين العربية والإسلامية الأخيرتين في مكة، كرر معظم المشاركين دعمهم لحل الدولتين المستند إلى قراريّ مجلس الأمن رقم 242 و338، اللذين تبنتهما بعد حربيّ 1967 و1973. ويدعم المشاركون أيضاً، بمن فيهم قادة الخليج، فكرة أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية. ولن يتمكن هو ولا شريكاه الرئيسيان في الخليج -محمد بن سلمان ومحمد بن زايد- من إخماد فكرة الدولة الفلسطينية في نفوس العرب.
يقول نخلة، هذا لا يعني أن نموذج الدولتين قابل للتحقيق بأي حال. ففي الواقع، يعتقد أن هذا النموذج قد ذهب أدراج الرياح وحلت محله منطقة واحدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط تضم الإسرائيليين والفلسطينيين، يبلغ تعداد كل منهما حوالي ستة ملايين نسمة. وسيكتشف كوشنر قريباً، سواء في ورشة البحرين أو في مؤتمرات أخرى، أنه ما لم يعترف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، فلن تنجح أي صفقة.
ربما تكون الدولة الفلسطينية غير قابلة للتحقيق، لكن ما لم يشارك الفلسطينيون في رسم مستقبلهم، إلى جانب «وسطاء نزهاء» آخرين، فإن صفقة كوشنر ستفشل. ولن تنجح أي خطة للإسرائيليين والفلسطينيين جرى التحضير لها في واشنطن والرياض وأبو ظبي بحجة قتال إيران.
ويختتم نخلة مقاله بالقول: لا بد إذن أن تقوم استعادة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط على فكرة إجراء مفاوضات رائدة مع إيران وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حق العيش في سلام وكرامة وأمن. ويمكن أن تتحقق هذه المحاولة على أفضل وجه من خلال التعاون الدولي والإقليمي. ولا يمكن لأمريكا أن تنجز هذه المهمة الضخمة وحدها بالرغم من قوتها العسكرية والاقتصادية. متسائلاً في النهاية: فهل سترتقي واشنطن لمستوى التحدي أم ستترك المنطقة لآخرين ليملأوا الفراغ الذي ستخلّفه؟