ان بي ان
إلى صدارة مسرح الأحداث اللبناني المتخم بالهموم اندفعت قضية السفيرة الأميركية بعد القرار القضائي الذي قرأ في ثنايا تصريحاتها الأخيرة ما يثير الفتنة.
أما القاضي محمد مازح فأوضح أن قراره قضائي بإمتياز ولا خلفيات سياسية له وهو لم يتمّ استدعاؤه للمثول أمام هيئة التفتيش القضائي بحسب ما أعلن النائب العام التمييزي غسان عويدات بعد تسريبات في هذا الشأن.
في المقابل استدعيت السفيرة الأميركية إلى وزارة الخارجية حيث يجتمع معها الوزير ناصيف حتي غداً فماذا سيتمخض عن اللقاء؟
في الانتظار كان لافتاً للانتباه إعلان السفيرة (شيا) أنها تلقت اعتذاراً من الحكومة اللبنانية إلا ان وزيرة الاعلام منال عبد الصمد نفت هذا الأمر.
على أن قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور تحلّق حوله الكثير من المؤيدين ونـَبـَذَهُ آخرون متسلحين بعناوين حرية الرأي والاعلام.
من أبرز المؤيدين للقرار حزب الله الذي أشاد بالقاضي الحر الذي انتفض لكرامة بلده ووصف تصريحات (شيا) بأنها اعتداء سافر على سيادة لبنان منتقداً الأصوات اللبنانية التي تبرعت بالوقوف على خاطرها.
وعلى الضفة الأميركية سلسلة مواقف للسفيرة شيا نفسها ولوزارة الخارجية محورها ان القرار القضائي اللبناني مثير للشفقة وأن الأوْلى للبنانيين إيجاد حل للطوابير المصطفة أمام الأفران.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد غاب اليوم مشهد الطوابير المزدحمة أمام الأفران من دون أن يعني ذلك أن الأزمة قد انتهت لكن ثمة مساعي حكومية في هذا الشأن يؤمل أن تؤتي ثمارها.
على خط النفط والغاز قرار لحكومة العدو بالمصادقة على التنقيب على الغاز في ما كان يعرف بالبلوك 72 القريب من البلوك رقم 9 أي في المنطقة التي اعتبرها العدد متنازع عليها رغم رفض لبنان لهذه المزاعم ولهذه القرصنة الإسرائيلية لثروات لبنان.
في الشؤون السياسية الداخلية برز موقف لرأس الكنيسة الماروني مفاده أن اللقاء الوطني الذي عقد في قصر بعبدا زاد في الانقسام الداخلي وأن ثمة حاجة لإعداد رئيس الجمهورية لمؤتمر وطني شامل.
المنار
بوضوحٍ تامٍّ باتَ تشخيصُ المرضِ في لبنان، وسريعاً ظهرت كلُّ عوارضِه وأوجاعِه السياسةِ والماليةِ والاقتصاديةِ والامنيةِ وحتى الاعلامية. فالجائحةُ التي تَفتِكُ بجسمِ الوطنِ ولا تزال، لم يَعُد بالامكانِ اِخفاؤها، حتى ظَهَرت بكلِّ وضوحٍ على الشاشاتِ وفي البيانات، اِنها الولاياتُ المتحدةُ الاميركيةُ المتمثلةُ بمندوبتِها السامية في لبنانَ دوروثي شيا..
السفيرةُ التي انكشفت وبلادَها، خَرَجت مذهولةً برميِ الاتهامات، فاصابت نفسَها وادارتَها وسيادِييها اللبنانيينَ الواقفينَ عندَ امرِ الطاعةِ والولاء. واللافتُ لم يكن وقاحةَ شيا فحسب، بل وقاحةَ كلِّ ادواتِها..
السفيرةُ المثيرةُ لكلِّ انواع التحريضِ والفتنِ والتهجمِ على اللبنانيينَ وتأليبِ بعضِهم على بعض، والمتنقلةُ بينَ الصالوناتِ والشاشاتِ بتصريحاتٍ واوامرِ عمليات، لم تَجِد من يضعُ لها حدّاً، فانبرَى قاضٍ جادٍّ بضميرٍ حُرّ، متخذاً حكماً قضائياً مُعلَّلَ الدوافعِ والاسباب، حفاظاً على السلم الاهلي والاستقرار، مالئاً فراغَ القرارِ الوطنيِّ الـمُفْتَرَضِ لوضعٍ حدٍّ لبوقِ الفتنةِ وراعيةِ الفساد، فَسَبَّبَ للبعضِ حرجاً ولآخرينَ حَنَقاً، فاستشاطوا ببياناتٍ ومواقفَ واستضافات، يَتَباكَوْنَ على استقلاليةِ القضاءِ باستنكارِهم حُكماً قضائياً.
فلو قرأوا القانونَ اللبنانيَ والقوانينَ والاتفاقاتِ الدولية، لا سيما اتفاقيةَ فيينا التي تَخرِقُها شيا كلَّ يومٍ بالتدخلِ السافرِ بكلِّ الشؤونِ اللبنانية، فضلاً عن انها لم تُخفِ هي ولا اسيادُها في الخارجيةِ الاميركيةِ اَنهم هُم من يحاصرُ لبنان، ويتهجمونَ على مؤسساتِه الدستورية، ويتحكمونَ باداراتِه المالية، كما كانوا منذُ عقودٍ من الزمن. ومع ضعفِ موقفِهِم كان بيانٌ للخارجيةِ الاميركيةِ يمعن بانتهاك السيادة اللبنانية ، يهينُ القضاءَ اللبناني، ويتَهَجَّمُ على القاضي محمد مازح الذي اصدر الحُكم.
فهل هذه هي السيادةُ يا سادة؟ وهل الاستقلالُ والحريةُ التي تَدَّعُونَ كصَنَمٍ من تَمْرٍ متى شِئتُم عبدتموهُ ومتى جُعتُم أكلتُمُوه؟.
ولشيا ومواقفِها صدىً مُدَوٍّ اليومَ في المياهِ الاقليميةِ اللبنانية، كَشَفَت بعضاً من اهدافِ الحربِ التي تخوضُها ادارتُها ضدَّ اللبنانيين ، فاَعلنت تل ابيب قراراً بالتنقيبِ عن الغازِ قرب المياه اللبنانية ، ظناً انها تستطيعُ الاستثمارَ اكثر بالضغط على لبنان في الوقتِ الذي يُضَيِّعُهُ أهلهُ في ذُروة الانقسام.
OTV
أمام تسارع الأحداث، وتضارب المعطيات، لا يسعُ اللبنانيين إلا العودة إلى الثوابت، ذلك أنَّ مجموعَها يشكل خارطةَ طريق مناسبة، لمقاربة الأزمات الكثيرة التي تعصف بالبلاد، ومقارعة التحديات غير المسبوقة التي تواجه الوطن الصغير.
الثابتة الأولى، الحرية والسيادة والاستقلال: الحرية المنصوص عليها في الدستور، والتي ترعاها المواثيق الدولية، والسيادة غير المنقوصة براً وبحراً وجواً، والاستقلال التام والناجز، الذي سقط في سبيله على مدى عقود شهداء، التفريط بدمائهم يُفترض ان يكون الخط الاحمر الوحيد.
الثابتة الثانية، الاستقرار: الاستقرار الأمني واستقرار العلاقة بين مكونات المجتمع. الاستقرار الأمني، واجب الجيش والقوى والأجهزة الأمنية المعنية أولاً، ودور الأفرقاء السياسيين ثانياً، الذين فَوت بعضُهم فرصة اللقاء الوطني في بعبدا، للمشاركة في بعث رسالةِ طمأنة أمنية إلى اللبنانيين، رفضاً للفتنة، وتحذيراً من اي تفكير بالعودة إلى زمن الحرب. أما استقرار العلاقة بين المكونات، فعاموده الفقري، الميثاق الوطني والمناصفة التامة، وإلا فالدولة المدنية المكتملة، التي تبدأ بإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية.
الثابتة الثالثة: الاقتصاد الحر والمنتج، وهو عنوان عريض لجملة متطلبات وطروحات، يُفترض ان تسلك طريقها نحو التطبيق، لأنها تشكل المدخل الوحيد على المدى البعيد، لوقف التسوّل على ابواب الدول والسفارات، ومنع الانتكاسات المالية كلما “أخد على خاطر” دولة أو مسؤولٍ خارجي ما، فيصبح الاتكال على الذات علامة لبلوغ سن الرشد الوطني.
الثابتة الرابعة: محاربة الفساد كهدف وطني جامع لكل المواطنات والمواطنين اللبنانيين، لا تقف أمامه عثرة سياسية، ولا عرقلة طائفية، ولا عصا مذهبية في دولاب الاصلاح. أما مَن يحاول منع تحقيق الهدف، فمصيره يُفترض ان يكون حساباً سياسياً منصفاً، ومثولاً أمام قضاء فاعل، يتمنى اللبنانيون أن يقوم بدوره كاملاً، سلطة ثالثة نشيطة على خط فرض العدالة.
الثابتة الخامسة: كَسر المحرمات تحت سقف الوفاق لتطوير النظام بما يوقف الدوران في حلقات مفرعة من اللاقرار، ومن هنا كان تشديد البيان الختامي للقاء بعبدا الأخير على التطوير الواجب اعتمادُه في النظام السياسي ليكون أكثر قابلية للحياة والانتاج، وذلك في إطار تطبيق الدستور وتطويره لناحية سد الثغرات فيه وتنفيذ ما لم يتحقق من وثيقة الوفاق الوطني.
انطلاقاً مما سبق، يُستشف الجواب على اي استفزاز اسرائيلي جديد.
وبناء عليه، يُعرَف الموقف من أي استهداف امني لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري أو غيرِه، إن حصل.
ومن أرضيته الصلبة، يحدد اللبنانيون الزاوية التي يتعاطون عبرها مع القرار القضائي الذي صدر أمس حول السفيرة الاميركية، التي استُدعيت الثالثة من بعد ظهر الغد الى وزارة الخارجية، علماً أن الموضوع أخذ طريقه نحو الحل كما ذكرت الـ OTV أمس، حيث اتصل مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي بالسفيرة الاميركية، وأبلغها أن القرار الصادر قضائي وليس بإيعاز سياسي رسمي. وخلال الاتصال، ابلغ جريصاتي السفيرة الاميركية ان لبنان ملتزم معاهدة فيينا لسنة 1961.
LBCI
انه التحدي بين الحرية واللاحرية، وبين الدولة واللادولة.
عندما اتخذ القاضي محمد مازح قراره امس، كان دقيقا، فهو لم يمنع السفيرة الاميركية من الادلاء بتصاريح، انما استصوب الاعلام ومنعه من نقل تصريحات دوروثي شاي .
وقع مازح في المحظور ، فطريق تحصين السيادة والانتفاض لكرامة لبنان لا يمر بالاعلام، انما بالطرق الديبلوماسية.
ليس تحت شعار خط الحرية الاحمر الفضفاض، تتحدث الـ lbci عن الحريات، باسمها وربما باسم كل الاعلام، انما تحت شعار الخيط الرفيع الذي يفصل الحرية عن اللاحرية.
فالقاضي مازح عندما اصدر قراره ، تلاعب بهذا الخيط الرفيع، وهو بطلبه منع نقل تصريحات شاي ، مس بحرية الرأي التي كفلها الدستور ، وفرض على الاعلام الرقابة المسبقة، وجاء قراره شاملا يشبه التعميم، ما جعله بالمنطق القضائي ساقطا .
خطير التلاعب بحرية الاعلام، تماما كما خطورة التلاعب باستقلالية القضاء، وبين الاثنين لا بد من العودة الى البدء، الى كل مرة وقفت فيها الـ lbci ، مع حرية الاعلام، ولعل ابرز الوقفات كانت عندما حاولت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، منع تلفزيون الجديد من تغطية تحقيقات مرتبطة بقضية الشهود الزور، فاختارت المؤسسة اللبنانية يومها في العام 2013، مثلما تفعل اليوم، رفع تحدي الحرية امام اللاحرية.
اما تحدي استقلالية القضاء، فباحترام نسلمه للجسم القضائي، الذي يعرف اكثر منا جميعا، كيف يرد ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
التحدي الاول صوب، اما التحدي الثاني فهو الاصعب، فهل نحن في دولة او لا دولة؟
السؤال يطرح انطلاقا من حال الارباك التي غرق فيه السياسيون منذ الامس.
فالسفيرة الاميركية وبعد القرار، اكدت تلقيها اتصالا رسميا تطمينيا بأن ردّاً مناسباً سيتخذ على هذا الحكم غير اللائق، وهنا ضاعت البوصلة، وضاعت الدولة.
من اتصل بشاي، رئيس الحكومة، وزير الخارجية، وزراء آخرون، ام من؟
مرت الساعات ثقيلة، بين نفي وزاري من هنا وآخر من هناك، حتى جاء التبني .
سليم جريصاتي، مستشار رئيس الجمهورية، وعن رئاسة الجمهورية، اتصل بشاي وقال :ان القرار قضائي ولم يأت بايعاز سياسي، واي قرار رسمي، ستتبلغه السفيرة عبر وزير الخارجية ناصيف حتي الذي استدعاها غدا الى قصر بسترس .
ماذا سيقول حتي لشيا ؟ وماذا سيطلب منها بموجب الاعراف الديبلوماسية؟
هل سيخبرها عن ارباك الحكومة اللبنانية، الواقعة بين واشنطن من جهة وحزب الله من جهة اخرى ؟
هل سيخبرها بأن جزءا من اللبنانيين يساندها مع بلادهاوجزءا آخر يعاديها مع بلادها بعد اطلالاتها الاخيرة وان الانقسام بين الفئتين عاد الى الواجهة؟
هل سيذكرها، بحسب ما قال النائب حسن فضل الله للـ lbci ، ان كلامها مس بمشاعر اللبنانيين الذين صوتوا لصالح حزب الله، وهم 220 343 شخصا، جعلوا الحزب جزءا لا يتجزأ من مجلس النواب والحكومة ؟
وماذا ستقول شيا لحتي ؟
هل ستخبره ان ما استدعى كلامها على قناة الحدث هو ما تعتبره الكلام التهديدي الذي ساقه الامين العام لحزب الله عبر خطابه الناري منذ أسبوعين والذي تناول فيه مواضيع كقتل الناس وأمور مماثلة، حسب ما قالت اليوم للـ lbci، مع الاشارة الى ان السيد نصر الله كان اعلن في خطابه ذاك: اذا جوعتونا سنقتلكم.
خطير التلاعب بين الدولة واللادولة، فنحن اليوم اقرب الى اللادولة، التي لم يكن ينقصها، فوق ازماتها، سوى اعلان خبر عبر شاشة العربية الحدث، عن حادث امني وقع لدى مرور موكب الرئيس سعد الحريري في البقاع الغربي منذ اسبوع، تحسم نتائج تحقيقاته لاحقاً ليتبين ما اذا كان الانفجار الذي حصل منذ اكثر من عشرة ايام ناجم عن انفجار خزان طائرة مسيرة، او هو استهداف للموكب؟
البلد في عين العاصفة، وعلى ابواب الفتنة، وبين الدولة واللادولة، قد نسير الى ما هو اخطر من الجوع ….