محمد علوش
اتفق الجميع أو على الأقل، الأعمّ الأغلب على أن ارتفاع سعر صرف الدولار الخميس الماضي كان بفعل فاعل، فاستُنفرت الحكومة ورؤساء الدولة لأجل التدخل ومنع الإنزلاق نحو المجهول، الذي وللعلم لم يعد مجهولا بشكل كامل، اذ بات الانفجار الاجتماعي معلوما، وتداعياته واضحة، ولكن يوم الجمعة وبعد مشاورات واتصالات ولقاءات ماراتونية، لم يُعاقب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فما الذي جرى ذلك النهار؟
قيل الكثير عن مواقف الأطراف المكوّنة للحكومة؟ ولكن في الحقيقة فإن الكثير ممّا قيل لا يقترب من الواقع والحقيقة، ففي مساء الخميس الماضي، وبعد اخبار ارتفاع سعر الدولار الى حدود الـ 7 آلاف ليرة، تم البحث عن الأسباب، بحسب مصادر قيادية في فريق 8 آذار، فتبيّن أن الارتفاع الجنوني بالسعر سببه سياسي بالدرجة الأولى، والهدف منه الردّ المباشر على التعيينات المالية التي حصلت قبلها بيوم، أي يوم الأربعاء الماضي، وتم فيها استبعاد مرشح الإدارة الأميركية محمد بعاصيري، وكانت الرسالة تقول بأن الذهاب بعيدا في تحدي الإدارة الأميركية يعني الخراب المالي، وبالتالي خراب البلد.
وتشير المصادر الى أن الرسالة الأميركية شهدت ردّا سريعا من قبل الفريق الذي وُجّهت إليه الرسالة، فتظاهر مواطنون، كانوا حتى قبل ساعات قليلة، من المعترضين على الحراك بشكله الذي وصل إليه مؤخرا، وهؤلاء أرادوا توجيه رسالة واضحة الى “الاميركي” في تلك الليلة، عنوانها إقالة رياض سلامة بالشارع.
انعكست هاتين الرسالتين على مسار نهار الجمعة الطويل، ففهم الطرفان المعنيان بالمعركة، أي فريق 8 آذار، والفريق الأميركي، أن اللعب بسقف عال حاليا سيؤدي الى تداعيات خطيرة على الطرفين، ولذلك انتهى نهار الجمعة على اتفاق بشأن تخفيض سعر صرف الدولار بدءا من الأسبوع الحالي، الى الحدود الطبيعية له والتي أشارت إليها الحكومة في خطتها، أي بين 3400 و3600 في العام الحالي.
في لقاءات الجمعة كان واضحا نيّة رئيس الحكومة إقالة رياض سلامة، والسبب بحسب المصادر تنفيس الشارع المحتقن، وتقديم هديّة جميلة الى الشارع، ولكنها لم تكن لتكون هدية جميلة الى الواقع المالي اللبناني، ورغبة التيار الوطني الحر هي بإقالة رياض سلامة لتعيين أحد مرشحيه مكانه، وفي هاتين الرغبتين بعدٌ عن الواقع، اذ يبدو أنه غاب عن بال البعض بأن الداعم الاول لرياض سلامة هو “الأميركي”، والأخير هو المؤثر الأول والأبرز على قرارات صندوق النقد الدولي الذي نفاوضه لطلب المساعدة المالية منه، والتي باتت ضرورية لأجل وصول بقية المساعدات، وأبرزها مؤتمر سيدر، وبالتالي إن إقالة رياض سلامة، قبل الإتفاق على البديل المقبول من قبل مؤسسات النقد والمال الدولية، تُشعل الحرب مع الإدارة الأميركية، وتعني غياب أي مساعدة، ولأجل خوض الحرب يجب أن يملك لبنان مقومات الصمود، وهذا ما لا يملكه حاليا.
تؤكد المصادر أن هذه المقاربة للملف، اوصلها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى الرئيسين ميشال عون وحسان دياب، وهي مقاربة يتفق حولها مكونات فريق 8 آذار، وكان سؤال الرئيس بري واضحا: ما هي الخطة التي يُراد العمل بها بعد الإقالة، وما هي آليتكم لمنع ارتفاع الدولار الى حدود قياسية؟
لم يسمع الرئيس بري جوابا حول هذه الاسئلة، بل على العكس، اقتنع المعينون بالمقاربة، وكان الموقف من بعبدا للرئيس بري، وهو أمر استغربه المتابعون، كون اللقاء تمّ في القصر الجمهوري، وكون المسألة تعني رئاسة الحكومة بشكل أساسي، ولكن أراد بري توجيه رسالتين بتصريحه من بعبدا، الأولى داخلية والثانية خارجية.
الرسالة الأولى بحسب المصادر هي تأكيد على دعم الحكومة، ودحض لكلّ الاكاذيب التي تضع بري بموقع المعارض لها، فتحمله مسؤولية التصريح بشأن خفض سعر صرف الدولار هو رسالة دعم قوية للحكومة، اذ كان يكفيه عدم التدخل لكي تسقط حكومة حسان دياب في الشارع خلال ساعات. أما الرسالة الثانية بحسب المصادر فهي للإدارة الاميركية، اذ أن حديث بري عن الإتفاق في بعبدا يعني أنه بما يمثّل ومن يمثّل، يقدّم الفرصة الأخيرة لحاكم المصرف لكي يتصرّف بما يعد به دائما، ومن خلفه الى الإدارة الأميركية، التي يجب أن تعلم أن خراب لبنان لا ينعكس على فريق دون آخر، ولا على محور دون آخر.
وتضيف: “يعلم الجميع أن استبدال سلامة لا يكون بشخصية مستفزة للادارة الاميركية والمؤسسات الدولية، ولذلك ربط حزب الله مثلا موقفه بتأمين البديل، ولاجل ذلك بدأت عملية البحث عن البديل الذي لا يكون محسوبا على احد، وبنفس الوقت لا يستفز الخارج، وهذا الشخص يجب أن يكون رجلا اقتصاديا مخضرما، يمكن له التعامل مع الداخل والخارج بطريقة ذكية، فنأكل العنب ولا نقتل الناطور”.
تعلم المصادر القيادية في فريق 8 آذار صعوبة تطبيق الإتفاق الذي تم في بعبدا، ولكن هذا الاتفاق أنقذ الحكومة من نفسها، ون شرّ قرارات قد تبدو شعبوية بالشكل، ومدمّرة بالمضمون، مشيرة الى أن فريق 8 آذار يحاول استنزاف كل السبل لتجنيب لبنان معركة حادة مع “الأميركي” وجعل انتقال إدارة المصرف المركزي من شخص لآخر سلسة، ولكنه لا يعلم اذا ما كانت المعركة ستقع عاجلا أم آجلا، على مشارف القرار الإسرائيلي بضم اجزاء من الضفة الغربية.
تشير المصادر أخيرا الى أن الوضع السيء في لبنان ليس سببه اميركا وأزلامها والتابعين لها في لبنان فحسب، فللإدارة السيئة والفساد نصيبهما أيضا، ولذلك قد لا تكون المعالجات سهلة، فمن جهة يواجه لبنان الضغط الأميركي، ومن جهة يواجه ضغط الشارع المحقّ، وفي أحيان كثيرة تكون أسلحة المواجهة في المعركة الخارجية غير مستحبة داخليا، فهل يصمد طويلا؟