علي جيرو- ليبانون تايمز
تعتبر الدولة هي الاطار العام الذي ينظم حياة أي مجتمع، في بيئة جغرافية معينة، ويقع على عاتقها تأمين أساسيات العيش للمواطنين وتأطيرهم في مؤسسات، ترعى شؤونهم وتسهر على راحتهم. بالمقابل يتطلب من الشعب أو المجتمع الانصياع لقوانين الدولة وإجراءاتها المعنية فضلاً عن دفع الضرائب، هذا الأمر من ناحية العيش في ظروف طبيعية لكن على مر التاريخ لم تستمر الدول على نحو طبيعيّ، فقد واجهت الكثير من المصائب والأزمات والحروب فضلاً عن المجاعات والأوبئة، إلا أن كثيرا من الدول قد اجتازت هذه الأزمات وبعضها سقط.
لعبت الدولة في هذه المِحن والأزمات دوراً رئيسياً وهذا الدور كان إما إيجاباً أو سلباً، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على المجتمع ومن ورائه الأفراد، فالطاعون الذي انتشر في الشام مطلع العصر الأموي كان ليفتك بسائر بقاع الدولة الإسلامية الناشئة ما لم يتم اغلاق المنطقة وعدم الخروج منها، ولم تكن الدولة الأموية لتنجو في هذا الوباء لولا التكاتف بين الدولة والمجتمع والافراد على حدٍ سواء، وإن كان وقتها لا يوجد إعلام أو أنترنت للتواصل بين العامة، إلا أن الدولة قامت بدور فاعل في سبيل احتواء هذه الوباء، ولم يكن لهذه الازمة أن تمرّ دون انضباط تام للمجتمع والأفراد للإجراءات التي فرضتها الدولة. وإن كان بالإمكانيات المتاحة حينها.
توالت الأزمات والأوبئة والمجاعات على مر التاريخ، الأمر الذي أدى إلى خروج الأوضاع عن السيطرة نتيجة العوز والجوع، بطبيعة الحال لا يمكن لشيء أن يحدث دون سبب، وغالبية الحالات التي كانت تخرج عن سيطرة الدولة كانت بأسباب موجبة، إما ضعف الدولة وعدم التخطيط الصحيح أو قلة الامكانيات المرافق لضعف وعي الشعب أو العامة.
بعد هذا الشرح المبسط لدور الدولة والشعب في مواجهة الازمات نأتي على ذِكر الحدث الأبرز عالمياً وهو جائحة كورونا، فما السبيل لمواجهة هكذا جائحة والجائحة هي وباء عالمي ينتشر في أكثر من قارّة وغالباً لا يكون له علاجا مباشرا أو لقاحا للقضاء عليه، الأمر الذي ينطبق على كورونا.
عمدت دول عدة إلى إغلاق المدن مع فرض حظر للتجوال. هنا يمكن القول أن غالبية الحكومات قامت ما بوسعها من أجل حماية المجتمعات، فالتزم الغالبية العظمى بالحجر إلا أن البعض وبدافع الاكتشاف، وربما بدافع العمل وهم أصحاب الدخل اليومي يخرجون بدافع الرزق أولا وبدافع التحدي ثانياً متحججين بإلقاء اللوم على الدولة بعدم تأمين البديل، وغالباً هذا الأمر يحصل في الدول الفقيرة والتي لا تملك وسائل مساعدة اجتماعية فعالة كلبنان مثلاً.
في ظل هذه الاوضاع الصعبة يتوزع العبء على كل من الدولة والمجتمع والفرد، لكن يبقى العبء الأكبر على الفرد على وجه الخصوص كونه اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فلو التزم كل فرد بالحجر المنزلي وقلّل من خروجه من المنزل وكذلك من احتكاكه بالآخرين، لم يكن الفيروس لينتشر.
الأمر أشبه بسفينة على متنها ثلاثة أشخاص كل واحد منهم يمثل طرف، الدولة والمجتمع والفرد، لا يمكن للسفينة أن تسير دون اتفاق الأطراف الثلاثة، كما لا يمكن لأحد أن يخرق السفينة بحجة حقه في هذا الجزء منها لطلب الماء مثلاً، لأنه في النهاية ستغرق السفينة كلها الأمر الذي يجعل المجتمع كله يغرق في مستنقع الكورونا بما فيه الدولة، وهناك علاقة وثيقة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، فمصلحة المجتمع تتقدم على مصلحة الفرد في حال تضاربهما، ولا يحق للفرد الاعتراض إذا كان الشأن العام يتطلب هذا الأمر، وبطبيعة الحال تتضارب هذه المصالح في حال الأزمات التي تتطلب حظرا للتجوال لسبب ما، كالحروب والأزمات، الأمر الذي يجعل مصلحة المجتمع تتقدم على مصلحة الفرد والتي تقتضي بحظر التجول لحماية المجتمع من تفشي هذا الوباء.
وفي حال تعاون المجتمعات والدول سنحصل في النهاية على سيطرة عالمية على الفايروس بعد أن كان جائحة وسرعان ما يختفي ويُحجر عليه هو نفسه لحين وجود علاج له.