تظاهر العشرات من المحتجين أمام مصرف لبنان ضد السياسات المالية التي اعتمدها حاكم المصرف، رياض سلامة، ودعوا لاستقالته وتحقيق المطالب الحياتية والمعيشية والاجتماعية، وسط حضور كثيف للجيش والقوى الأمنية ومكافحة الشغب.
وكانت المجموعات الشبابية التي تظاهر أمام الباب الرئيسي للمصرف قد قدمت من تظاهرات لعيد العمال في وسط بيروت ومسيرة احتجاجية قادمة من أمام وزارة العمل في منطقة المشَرّفية في الضاحية الجنوبية للعاصمة.
وحاول بعض المتظاهرين خلع الباب الحديدي لموقف المصرف، بيد أن تقدّم القوى الأمنية تجاههم حال دون ذلك، فتوجّهوا الى الباب الخلفي للمصرف في شارع آخر.
ثم جال المتظاهرون في شارع الحمرا الذي شهد مواجهات وأعمال شغب وتكسير للمصارف المتواجدة هناك بداية العام الحالي، وذلك احتجاجاً على السياسات المصرفية التي أودت بالاقتصاد اللبناني، بالإضافة الى فساد الطبقة السياسية.
ومع محاولة وصول المتظاهرين لمصرف “فرنسبنك”، قطع الجيش اللبناني عليهم الطريق، ما أدى تدافع وشجار بين المتظاهرين وعناصر الجيش تسبب بإصابة متظاهر في رأسه وآخر بيده.
بعد ذلك، أكمل المتظاهرون مسيرهم في شارع الحمرا الرئيسي والأعلى، إلى أن عادوا أمام المصرف واستكمال احتجاجهم ضد السياسات المالية بمناسبة عيد العمال العالمي.
انخفضت الليرة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع انزلاق لبنان بشكل أكثر عمقا في أزمة مالية، كما شهد الأسبوع الماضي تسارعا في الهبوط، مما دفع المصرف المركزي إلى تحديد الحد الأقصى لسعر بيع الدولار في مؤسسات الصرافة عند 3200 ليرة.
وقال وزير الاقتصاد راؤول نعمة إن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت بنسبة 50% منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما يتماشى تقريبا مع انخفاض سعر الليرة في السوق الموازية.
وقد اختلفت حدّة الأزمة الاقتصادية على العمال في عيدهم بحسب السياسة التي اعتمدتها كل شركة، فهناك من خسر وظيفته بشكل نهائي وجلس في المنزل عاطلاً عن العمل، بينما اعتمدت بعض الإدارات خطة حسم نسب تصل إلى 50% من رواتب موظفيها تفادياً للإقفال التام، مع منحهم إجازات طوعية غير مدفوعة الأجر، وسار القسم الأكبر من المؤسسات باتجاه إلغاء المكافآت التي كانت تمنح للموظفين، فيما سددت أكثرية الشركات رواتب موظفيها بالعملة الوطنية وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة لبنانية، في وقت تجاوز سعر الصرف في السوق الموازية 4000 ليرة أحياناً، ما أفقد المعاشات أكثر من 70% من قيمتها، علماً أنّ العقود الموقعة من الجانبين تلحظ دفع الرواتب بالدولار، لكن حجّة الإدارات والمؤسسات تكمن في عدم وجود العملة الخضراء في البلد نتيجة القيود التي تضعها المصارف على الودائع الدولارية.
وتعريف البطالة بالنسبة إلى منظمة العمل الدولية، يستند إلى ثلاثة شروط يجب توافرها في آن معاً لدى الأشخاص الذين هم في سنّ العمل، أي بين الـ15 والـ64 من العمر، ويجري تصنيفهم أنهم عاطلون عن العمل في حال قاموا فعلاً بالبحث عن عمل، وهم مستعدون وقادرون وراغبون في العمل من دون إيجاد فرصة في هذا الاتجاه.
أما إدارة الإحصاء المركزي في لبنان، والتي أطلقت أكبر مسح متخصص حول القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر خلال العام 2018 – 2019 ممول من مفوضية الاتحاد الأوروبي في لبنان وبمساعدة فنية من قبل منظمة العمل الدولية، فتفيد بأنّ معدل البطالة في قضاء المتن سجل 7.1%، و17.8% في قضاء المنية الضنية، فيما وصل إلى 11.6% في العاصمة بيروت.
كما يختلف معدل البطالة بحسب الجنس، حيث بلغ عند الرجال 10% فيما سجّل 14% عند النساء، وعلى صعيد الفئات العمرية، يبيّن احتساب معدل البطالة عند فئة الشباب بعمر الـ15 إلى الـ24 أنه بلغ أعلى المستويات خلال 2018 و2019، مسجلاً 23.3%، علماً أنّ معدل البطالة لدى الشباب يرتفع مع ارتفاع المستوى التعليمي ويتخطى 35% لحملة الشهادة الجامعية.
وهذه تنعكس كلها على القوى العاملة التي تتعرض للتسريح والطرد التعسفي. حتى إن القطاع المصرفي سرّح أكثر من 700 إلى 800 موظف في مصارف مختلفة.
وقبل ظهور فيروس كورونا، تقدمت 70 مؤسسة وشركة بطلبات تسريح لـ1500 عامل لبناني، فضلا عن تقدم عمال بشكاوى صرف تعسفي أو تخفيض أجورهم أو إنهاء عقود عملهم بشكل انفرادي من قبل أصحاب العمل، وفق ما جاء في الكتاب رقم 3163/2 الذي وجهه وزير العمل السابق كميل أبو سليمان إلى وزير العدل ألبرت سرحان، في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بهدف تفعيل مجالس العمل التحكيمية انطلاقاً من الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمرّ بها البلاد.
وفيما كانت الأزمة قد بدأت تضرب لبنان منذ أشهر عدة فإن وطأتها تزايدت على اللبنانيين مع الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يبدأ لبنان حربه مع وباء كورونا في فبراير/شباط الماضي، حيث عطلت الإجراءات المفروضة ما تبقى من أعمال ومؤسسات وتضاعفت نسبة المفصولين من العمال.
ولا تزال المصارف تفرض إجراءات تمنع بموجبها المودعين من سحب أموالهم بالدولار الأميركي، في غياب أي خطة اقتصادية واضحة من الحكومة، التي مرّ على تشكيلها نحو 100 يوم.
هذا الواقع الذي يعكس إرباكا واضحا في تعامل الدولة ككل (الحكومة والبرلمان) مع الأزمة من شأنه أن يزيد الأمر تعقيداً في المستقبل، بحسب خبراء اقتصاد، خاصة إذا بقت التناحرات السياسية تؤثر على عمل الحكومة التي أثبتت إلى الآن جدّيتها في معالجة الأزمتين الاقتصادية والمالية في البلاد، بيد أنها تواجه مصالح أصحاب المصارف وحاكم مصرف لبنان وسياسيين منتفعين منهم.
وتسعى الحكومة اللبنانية من خلال إقرارها خطة اقتصادية إصلاحية إلى بدء مسار حلّ الازمات المتراكمة على مرّ السنين، وعمدت إلى وضع خريطة طريق لبحث مبادرات لمساعدة المؤسسات والشركات التي تضررت من الإقفال والأحداث التي رافقت انتفاضة 17 أكتوبر، من خلال تمديد فترة سماح سداد أقساط المؤسسات الشهرية للمصارف لفترة لا تقل عن ستة أشهر، وإلغاء كافة الضرائب المستحقة لفترة ستة أشهر، ومنها فواتير الكهرباء والهاتف والمياه، وضريبة الدخل ورسوم البلدية، وإعفاء المؤسسات من سداد إيجار أماكن العمل لمدة 6 أشهر، وغيرها من المحاولات الموقتة لمنع انهيار القطاع الخاص بشكل كامل.