قال مصدر رسمي لبناني ل”الحياة” إن رفع الأمين العام ل”حزب الله” سقف خطابه التهديدي بالصواريخ الدقيقة في كلمته مساء الجمعة لمناسبة “يوم القدس” وهجومه المباشر على رئيس الحكومة سعد الحريري بقوله إن موقف الوفد اللبناني الذي ترأسه الأخير في القمة العربية في مكة “مرفوض ولا يعبر عن موقف لبنان بل عن موقف الاشخاص المشاركين والاحزاب التي يمثلوها”، لقي استهجانا خصوصا أنه طالب باعتماد مبدأ النأي بالنفس في وقت جرى التوافق على هذا المبدأ من قبل الحكومة اللبنانية من أجل أن يلتزمه نصر الله نفسه ويكف عن شن الحملات على الدول العربية ولا سيما السعودية، ويمتنع مع حزبه عن التدخل في الأوضاع الداخلية لعدد من الدول العربية.
إلا أن المصدر الرسمي نفسه قال ل”الحياة” أن نصر الله ذهب إلى هذا القدر من التصعيد في شأن الصواريخ لأن رسالة نقلت إليه من قبل مسؤولين لبنانيين عن أن قواعد الصواريخ الدقيقة التي نقلت من سورية إلى لبنان لمصلحة الحزب باتت معروفة ومكشوفة لدى الإسرائيليين، وأن الجانب الأميركي نقل إلى كبار المسؤولين اللبنانيين معلومات في هذا الصدد.
ساترفيلد والصور والخرائط
وعلمت “الحياة” من المصدر نفسه أن مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد هو الذي نقل هذه المعطيات إلى المسؤولين اللبنانيين في آخر زيارة له الأسبوع الفائت إلى بيروت قادما من إسرائيل، في إطار مهمة الوساطة التي وافقت واشنطن على القيام بها من أجل التوصل إلى توافق حول ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، وبرعاية الأمم المتحدة.
وذكرت المصادر ل”الحياة” أن ساترفيلد مع مسؤول أميركي آخر عرضا على كل من رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة سعد الحريري، إضافة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، (اجتمع أيضا مع وزير الخارجية جبران باسيل) صورا وخرائط لما قال إنها موقع هذه الصواريخ. وفي وقت لم يذكر المصدر ل”الحياة” إذ كانت هذه الصور والخرائط تتناول وجود معامل على الأراضي اللبنانية لتطوير الصواريخ التي بحوزة “حزب الله”، كما سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن أعلن قبل أشهر، أم للمواقع التي نصبت فيها هذه الصواريخ، فإنه أوضح أن الموفد الأميركي لم يربط بين مسألة الصواريخ وبين موضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية.
وبينما رجحت مصادر أخرى ل”الحياة” أن تكون المعلومات الإسرائيلية والأميركية حول وجود معامل تطوير الصواريخ على الحدود اللبنانية السورية، فإن المصدر الرسمي أشار إلى أن ساترفيلد أبلغ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم الرسالة والوقائع الإسرائيلية وأقرنها بالإشارة إلى أن واشنطن لا تستطيع إلا أن تأخذ الوقائع المصورة والمحددة على خرائط في الاعتبار، وأنها لا يمكنها التغاضي عن معلومات من هذا النوع، وقد لا تتمكن من لجم الجانب الإسرائيلي عن القيام بعمل ما حيال هذه الصواريخ. كما أن الموفد الأميركي دعا المسؤولين اللبنانيين إلى تحرك عملي من أجل معالجة هذه المسألة لأن الإدارة الأميركية قد تراجع موقفها من لبنان الذي يشكل الحفاظ على استقراره وإبعاده عن حروب وصراعات المنطقة أحد مرتكزات سياستها في المنطقة، والذي يتفرع منه دعمها للجيش اللبناني ولجهود معالجة مشاكل لبنان الاقتصادية.
وأضاف المصدر ل”الحياة” أن تهديد نصر الله بإقامة مصنع للصواريخ، وبأن الصواريخ التي بحوزة حزبه “عددها كاف وتطال كل الاهداف المطلوبة في الكيان الصهيوني … والعدو لا يقصف الصواريخ لانه يعرف اننا سنرد الصاع صاعا”، يهدف إلى قطع الطريق على أي ضغط من قبل السلطات اللبنانية على مطالبة الحزب بإبعاد هذه الصواريخ عن لبنان لتجنيبه أي عمل عسكري إسرائيلي.
وقال المصدر ل”الحياة” إن نصر الله رفع النبرة لأنه تبلغ بالرسالة الأميركية، لكنه لم يكشف ل”الحياة” أي من المسؤولين اللبنانيين أو الرؤساء الثلاثة نقلها إليه، واكتفى المصدر بالقول: “لقد تبلغ الرسالة وقام بالرد عليها لإفهام أي من المسؤولين سواء كان حليفا أو خصما بأنه لن يخضع لأي ضغط في شأنها “. ورده يضع لبنان في موقع خطير، خصوصا أنه على رغم حديثه عن قوة إيران في مواجهة العقوبات والضغوط الأميركية، واستبعاده الحرب، فإن عليها أن تثبت قدرتها على الصمود في وجه الضغوط الأميركية، و”حزب الله” جزء من هذا الصمود، لا سيما أن نصر الله سبق أن قال إن “واجبنا” التضامن مع إيران والوقوف إلى جانبها.
تجنب القمة العربية ذكر “حزب الله”
ورأى المصدر أن لتهديد نصر الله في شأن الرسالة الأميركية حول الصواريخ وظيفة إيرانية لا علاقة لها بمسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية التي ربطها بها، خصصا أن ساترفيلد تابع وساطته بالتزامن مع الرسالة التي بلغها إلى الجانب اللبناني، ولم يرهن الوساطة بمسألة الصواريخ.
ويلفت المصدر إلى أن موقف نصر الله من الوفد اللبناني في القمة العربية يتعلق بإيران وليس بكون “حزب الله” أحد الفرقاء اللبنانيين. ويشير إلى أنها المرة الأولى منذ زهاء 3 سنوات التي يصدر فيها بيان عن القمة العربية يتجنب ذكر العبارة التي تنص على “إدانة النشاطات الإرهابية ل”حزب الله” والتي كانت تدفع الوفد اللبناني في كل مرة إلى الاعتراض أو التحفظ عليها، إذ درج الجانب اللبناني على الموافقة على إدانة تدخلات إيران في الدول العربية ودعمها للإرهاب انسجاما مع الأكثرية العربية وحرصا على العلاقة مع دول الخليج التي تتعرض للتدخلات من قبل طهران، وفق مبدأ في السياسة الخارجية اللبنانية يقضي بتضامن لبنان مع أشقائه العرب في وجه دولة غير عربية.
ويضيف المصدر ل”الحياة” أن لبنان لم يتحفظ على قرار قمة مكة العربية لأنه خلا هذه المرة من أي إشارة إلى “حزب الله” كما حصل في قمة تونس العربية قبل شهرين، ما دفع الوفد اللبناني إلى الاعتراض على هذا البند كما فعل سابقا، بحجة أن الحزب فريق لبناني عضو في البرلمان والحكومة، فيما لم يعترض على الموقف من تدخلات إيران لأنه سبق للبنان أن وافق على إدانة هذا التدخل في قمم إسلامية وعربية عدة في السنوات الأخيرة. أما اعتراض الجانب العراقي على إدانة التدخل الإيراني فيعود إلى العلاقة الخاصة بين بغداد وطهران ولأن المسؤولين العراقيين يسعون إلى لعب دور الوسيط بين إيران والدول العربية. ويعتبر المصدر أن تجنب تكرار إدانة نشاطات الحزب في بيان قمة مكة أتاح للحريري والوفد المرافق ألا يتحفظ على بند كهذا، مشيرا إلى أنه كان ملفتا عدم ذكر الحزب حتى في مسودة البيان الختامي، على رغم أن بيان القمة الخليجية التي سبقت القمة العربية بساعات قليلة دان الحزب وممارساته بشدة.
ولم يشأ المصدر تأكيد أو نفي التفسير الذي يقول أن الدول العربية الرئيسة ولا سيما المملكة العربية السعودية قررت مراعاة الموقف اللبناني الرسمي بعدم وصف الحزب بأنه إرهابي، وأنها سايرت بذلك الرئيس الحريري. إلا أن المصدر لفت إلى أن القمة الإسلامية التي أعقبت القمة العربية أكدت في بند خاص بلبنان على دعمه من أجل تحرير أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر، وعلى ضرورة حفظ استقراره ومساعدته على معالجة أزمته الاقتصادية…
وينتهي المصدر إلى القول ل”الحياة” إن نصر الله افتعل الهجوم على موقف الحريري في القمة العربية على رغم السوابق في عدم اعتراض الجانب اللبناني، بما فيها مواقف حلفاء الحزب في عدم الاعتراض على التعرض لممارسات إيران، لأن لموقف نصر الله وظيفة بحت إيرانية لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية. ويرى المصدر أن نصر الله سأل عن النأي بالنفس في وقت هو المُطالب بتطبيقه والكف عن الهجوم على دول الخليج والسعودية، بل أن اعتماد هذا المبدأ من قبل الحكومة اللبنانية منذ عام 2017 هدفه التزام الحزب بوقف حملاته، فضلا عن وقف تدخلاته في سورية وغيرها. ويعتبر المصدر أن النأي بالنفس لا ينطبق على العلاقة مع إيران في الصراع الذي تخوضه مع الدول العربية، والتي من البديهي أن يتضامن معها.