عدد المحلل العسكري الإسرائيلي المخضرم رون بن يشاي عدة أسباب لفشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الحروب الأخيرة في المنطقة، مؤكدًا أنها أسباب متواصلة ستعيق الجيش عن تحقيق “النصر” في المعارك المقبلة.
وقال “بين يشاي” في مقالة نشرتها صحيفة “يديعوت أحرنوت” تحت عنوان “لماذا لن ننتصر في الحرب المقبلة” إن “إسرائيل لن تُهزم في الحرب المقبلة سواءً كانت مع حماس في غزة أو مع حزب الله وسوريا، ولكنها لن تنتصر أيضًا”.
وأوضح أن أسباب فشل الجيش في تحقيق النصر الواضح هو “عدم قبول حقيقة وقوع خسائر في صفوف الجنود، ودخول السياسة للجيش، وثقافة تصفية قادة الجيش الذين قاتلوا في الميدان، والحساسية الزائدة للأسرى، وتدخل آباء الجنود في عمل الجيش”.
وذكر المحلل أن “غياب هكذا نصر واضح سيجعل قدرة الردع في تآكل دائم وسيخرج العدو من تحت الركاب يلوح بإشارة النصر، كما يسهم غياب النصر في تقليص المسافات الزمنية بين فترات الهدوء بين كل مواجهة وأخرى وهو هدوء يمنح الاقتصاد الإسرائيلية فترة من الازدهار وتضمن حياة طبيعية للسكان”.
في حين عزا عدم القدرة على النصر لعوامل مجتمعية نمت في المجتمع الإسرائيلي منذ حرب أكتوبر 1973، تمثلت في عنصر المفاجأة وما رافقه من خسائر كبيرة للجيش جاءت بسبب الغرور الذي عاشه وعدم مبالاة الاستخبارات العسكرية.
وقال إن تأثيرات حرب أكتوبر على المجتمع الإسرائيلي كانت كبيرة وتمثلت في ظاهرتين: تراجع المخاوف على الوجود الإسرائيلي من جهة، مع زيادة الحساسية لضحايا الجيش لدى المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى، وتلك الظاهرتان أسهمتا معًا في القدرة على النصر في الحروب وردع الأعداء.
ولفت إلى أنه ومنذ عملية “السور الواقي” في الضفة الغربية عام 2002 واجتياح المدن ووقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش وبخاصة في مخيم جنين، أدت الخشية من وقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش إلى ارتباك كبير في صفوف متخذي القرار السياسي بالمصادقة على عمليات كبيرة مرتبطة بخسائر فادحة في الجنود ومست بقدرة المستوى السياسي في المخاطرة والمجازفة.
كما تأثر من هذه الظواهر أيضًا– بحسب بن يشاي– قادة الجيش في الميدان، ومست بقدرتهم على إدارة معارك برية وجهًا لوجه ما جعل الجيش يتراجع عن عمليات مرتبطة بخسائر في صفوفه نزولًا عند رغبة الجمهور بتفضيل حياة عناصره على أي اعتبار آخر.
كارثة ناقلة الجند
وتطرق المحلل في مقالته إلى مساهمة الإعلام الإسرائيلي فيما أسماه “تضخيم انتصارات حركة حماس في الحرب الأخيرة بالعام 2014”.
وأضاف “فعلى سبيل المثل تحولت حادثة استهداف ناقلة الجند شرقي غزة بداية الحرب– وهي حادثة تقع في جميع الحروب- إلى نصر معنوي ومادي كبير لحركة حماس وذلك بعد أن تم تسميتها بكارثة نقالة الجند، وتحويل الملامة لقادة الجيش وقضاء ساعات وساعات من تحليل الحدث إلى أدق تفاصيله ما دفع بحركة حماس إلى استغلاله أبشع استغلال والتلويح به كأحد أعمدة النصر في تلك الحرب”، وفق قوله.
ولفت إلى أن “حساسية المجتمع للجنود المخطوفين بعد الثمن الكبير الذي دفع لقاء استعادة الجندي جلعاد شاليط دفع بحماس الى ابتزاز الإسرائيليين بشكل مخجل ودفع بالحركة إلى وضع مهمة اختطاف الجنود في المعارك على رأس أولويات قواتها البرية في أي مواجهة”.
وأشار إلى أن “طريقة التعاطي الإسرائيلي مع الخسائر البشرية في صفوفه يخلق ضررًا استراتيجياً لإسرائيل على مستوى المنطقة برمتها، إذ يبعث ذلك رسائل ضعف لشعوب المنطقة ويمنح تلك الشعوب أملاً استراتيجيًا بإمكانية شطب إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط على المدى البعيد”.
وجاء على لسانه ما نصه “يتابع أعداؤنا ردودنا الهستيرية حال وجود خسائر بشرية في صفوف الجنود. يتابعون وسائل إعلامنا وما تبثه من مواد يهذا السياق، ما يزعزع شعور الأمن في صفوف مواطني الدولة، وهم يلاحظون عملية قطع الرؤوس بعد كل جولة قتال ولجان التحقيق ما يمس بثقة الجمهور بقيادته وقراراتها، ويستخلصون العبر بعد عدة جولات كهذه”.
وأضاف “انتفاضة جديدة، أو وجود أسلحة نووية أو بالستية لإيران سينهار المجتمع الإسرائيلي من الداخل، واليهود عشاق الحياة المدللون سيتشتتون في أصقاع الأرض باحثين عن مكان هادئ وآمن تحت الشمس”.
وتابع المحلل تحذيراته قائلاً “إذا لم يحدث هذا الانهيار بعد الجولة الحالية فسيحدث في الجولة المقبلة أو التي تليها، فلأعدائنا الوقت والوازع الديني المتزايد بتدمير الدولة اليهودية”.
الحل هو النصر الصريح
وبشأن الحلول المتاحة للخروج من هكذا وهن واستراتيجية الاستنزاف التي يمارسها أعداء “إسرائيل”، قال “بن يشاي” إنه “يتوجب على الجيش النصر الصريح في المعركة المقبلة بشكل لا يقبل التأويل حتى ييأس أعداؤنا من وجود فرصة للقضاء علينا عبر الاستنزاف”.
أما على صعيد المستوى السياسي، فرأى المحلل أنه يسهم في الفشل في النصر في المعركة عبر معارك سياسية ذاتية خلال الحرب وتسريب جلسات الكابينت، بالإضافة لصراع قادة الجيش في الميدان، لافتًا إلى أن الإعلام الإسرائيلي يكمل الحلقة المفقودة ويمنح الأعداء فرصة للتعرف على نقاط الضعف.
كما لفت المحلل إلى أن آباء الجنود يتدخلون في عمل الجيش عبر أبنائهم وأنهم هم من يديرون الجيش فعليًا ويرغبون طوال الوقت بالنصر في المعركة، ولكن بدون أي ضرر يلحق بأبنائهم.