محمد علوش
4 أيام تفصل لبنان عن موعد 9 آذار الشهير، ولا يزال التوجه اللبناني غير واضح المعالم، اللهم الاّ اذا سلّم الجميع جدلاً بأن الحكومة تعمل على الاختيار بين السيّء والأسوأ، على حد تعبير رئيس الحكومة حسّان دياب. كذلك هناك معضلة كبيرة تواجهها الحكومة تجعل أي خطة صعبة التحقق، وهي عدم نيّة أي دولة تقديم مساعدات مالية الى لبنان قبل انطلاق عجلة العمل الجدي والإصلاحات، وعجلة العمل هذه لن تكون قادرة على الإنطلاق قبل وصول المساعدات.
كثُر الحديث داخل الحكومة عن التوّجه اللبناني بشأن الديون، تحليلات ومعطيات، واختلاف في وجهات النظر، ولكنّ المتّفق عليه بشكل أكيد بين الجميع أنه مهما كان القرار النهائي فيجب أن يكون مترافقا مع خطّة كاملة وشاملة، تتحدث عن الديون والسندات من جهة، والإجراءات المالية الاقتصادية التي تنتشل لبنان من ورطته من جهة ثانية، وهنا تكمن الصعوبة.
تكشف مصادر سياسية مطّلعة لموقع “ليبانون تايمز” أن السبب الرئيسي في تأجيل قرار الحكومة بشأن “اليوروبوندز” هو الاختلاف الكبير داخلها حول التعاطي مع المرحلة المقبلة، اذ أن المسألة لا تتعلق فقط بالدفع أو عدمه، مشيرة الى أن عنوان المشكلة هو “صندوق النقد الدولي”.
عندما طلبت الحكومة استشارة صندوق النقد حول المرحلة الحالية اشترط فريق من الوزراء لأجل القبول بإرسال طلب الاستشارة، أن لا يطلب لبنان أي مساعدة مالية أو غير اسستشارية من الصندوق، وبناء عليه يحاول هذا الفريق اليوم اعتماد الحلّ دون التعويل على الصندوق وخطته وتوصياته، بينما يشعر فريق آخر من الوزراء بأن هذا الأمر يكاد يكون مستحيلا، ومن هنا أصبح لبنان بين خيارين: السيء والأسوأ.
بالنسبة الى الفريق الأول “المعارض لصندوق النقد بشكل كامل” فإن دفع السندات في شهر آذار غير مطروح، لان إيجابيات عدم الدفع أكثر من السلبيات، وبالفعل فإن الدفع حاليا يعني ارتفاع الخطر على اموال المودعين، ما يجعل حياتهم صعبة، كذلك انخفاض القدرة المالية على شراء حاجاته الأساسية، بينما ينطلق الفريق الثاني بحسب المصادر من فكرة أن لبنان سيكون أمام تحوّل تاريخي سلبي بحال قرّر التخلف عن الدفع، خصوصا أنه لم يدخل في حوار مع الدائنين حول إعادة هيكلة الدين، ما يعني أن سجّله النظيف ماليا في الخارج لن يبقى كذلك، مشبّهة الأمر بالسجلّ العدلي الذي يطلبه المواطن عند أي استحقاق مهم، اذ هناك فرق كبير بين من يملك سجلّا عدليا نظيفا وبين من يملك سجلا عدليا “متّسخا”، مشيرة الى أن توجه لبنان لطلب المساعدة في المستقبل سيكون صعبا بظل تخلّفه عن دفع ديونه.
يعتبر أصحاب هذا الرأي أن الحلّ الأمثل هو الحفاظ على نظافة سجلّ لبنان، والدخول بعد هذا الاستحقاق فورا في عملية تفاوض لإعادة هيكلة الديون، وبذلك تظلّ مسألة بقاء لبنان في الأسواق المالية العالمية مُتاحة، بينما بحال قرّر التخلف عن الدفع فإنه سيخرج من الأسواق، مشيرة الى أن التخوّف الكبير من التخلّف هو من إمكانية رفع الدعاوى على لبنان وطلب الحجز على ذهبه الموجود في نيويورك، لأنه بحال حصل هذا الأمر فلا مجال للقيامة مجددا.
بالنسبة الى رئيس الحكومة فتشير مصادر مقرّبة منه في حديث لموقع “ليبانون تايمز” أن دياب ليس بوارد طلب الاستعانة بصندوق النقد أصلا، بل يسعى لوضع خطّة متكاملة تحمي لبنان من اللجوء الى خيارات صعبة ومستحيلة ربما، مشددة في نفس الوقت الى أنه ليس من المتحمسين لخيار “التخلّف” عن الدفع، لأن هذا الأمر عليه تبعات مالية، قانونية دولية، ستشكل خطرا على التصنيف المالي لبنان، وربما أكثر من ذلك، ولا حتى من المتحمسين لخيار الدفع من دون خطّة واضحة، ما يجعله ملزما بالتخلّف عن الدفع الشهر المقبل.
تلفت المصادر السياسية النظر الى ان فريقا واسعا في لبنان، داخل الحكومة وخارجها، يعتقدون أن اللجوء الى صندوق النقد الدولي أصبح حاجة، وأن لبنان مخيّر بين حلّين، فإما يختار طلب مساعدة الصندوق طوعا، وإما يُلزم ببرنامجه، بينما يرى الفريق الآخر أن حلّ صندوق النقد الدولي يعني زوال لبنان لأن المساعدة المالية، تستجلب التدخّل السياسي، الذي يستجلب بدوره تدّخلا أمنيا وهنا تقع الكارثة.
اذا يعاني مجلس الوزراء من انقسام حاد حول فكرة الاستعانة “بصندوق النقد الدولي”، الأمر الذي قد يتطور مع تطور الأحداث وقد يصل الى حد تفكك الحكومة، مع التشديد على أن الانقسام هذا لا يضم الحلفاء بوجه الخصوم، لأن الحكومة غير مكونة من خصوم.