تحدثت صحيفة “النهار” عن نظرية “مؤامرة كورونا” التي احتلت حيّزاً واسعاً في بعض وسائل الإعلام، وكثُر الحديث عنها، لاسيما بعد انتشار الفيروس بشكل واسع في الصين، ما أدى الى كسر جموح المارد الصيني عالمياً. أخبار كثيرة نُشرت حول هذا الفيروس مخبرياً وضلوع الولايات المتحدة الأميركية وبعض شركات الأدوية بهذه الحرب البيولوجية، لكن علمياً هل يمكن افتعال فيروس ما؟ في العودة الى أحداث تاريخية نعرف أنها ليست المرة الأولى التي يُحكى عن هذه الحرب البيولوجية، الطاعون وتسميم المياه وفيروس الجدري وغيرها تسبب بطريقة مباشرة او غير مباشرة بكسب الحرب أو تغيير المعادلة. فهل ينطبق الأمر على فيروس كورونا المتسجد؟
برأي الخبير في الشؤون الصينية والأستاذ الجامعي في العلاقات الدولية الدكتور نبيل سرور أن “هناك عدة فرضيات تتناول موضوع فيروس كورونا، منها فرضية طبية متعلقة بالصحة والنظافة وما يأكله الصينيون وحالات التلوث في المدن الصناعية الصينية. جميعها قد تلعب دوراً على الصعيد الصحي. بالاضافة إلى أن مدينة ووهان التي يوجَد فيها مختبرات بيولوجية مهمة، وهذا يطرح فرضية أن يكون الفيروس قد تسرب وأدى الى حالة انتشار واسع في المدينة”.
في الشق السياسي، “هناك مقاربة معقولة تقول إن الصينيين منذ فترة طويلة يتناولون هذا النوع من الطعام، ما يشير إلى واقع آخر يركز على تحدّ صيني أميركي قديم الزمن، وتسعى الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات طويلة الى التصدي للصين كقوة اقتصادية صاعدة وتقليم أظافرها على المستوى السياسي، بعدما أصبحت الصين منافساً كبيراً جداً على المستوى الاقتصادي. وبالتالي كان لا بدّ من كبح جماح الصين، وقد لجؤوا وتحديداً في ولاية ترامب إلى العقوبات الاقتصادية على السلع والبضائع الصينية وفرض رسوم عليها. كما حاولوا منع العقود الصينينة من التمدد إلى أكثر من دولة. وبرغم من ذلك لم تُقلّص جماح المارد الصيني الذي كان يتقدم بخطوات كبيرة جداً نحو العالمية”.
لذلك من الفرضيات المحتملة، وفق سرور “وأنا هنا لا أجزم، ولكن أقول بموضوعية علمية أنه قد تسرب أو تمّ رمي بعض الفيروسات من بعض الجهات التي ترتبط بالولايات المتحدة الأميركية بهذا الأمر. وتبقى هذه النظرية من الفرضيات التي قد توضع، لأنه اذا سلمنا جدلاً بنوعية الطعام فإن الصينيين منذ زمن طويل يتناولون هذا النوع من الطعام”.
كما أن الفيروس الذي كُشف في الصين تبيّن أن تركيبته معقدة ومشغول مختبرياً (معدّل جينياً) وليس له علاقة بالصدفة الطبيعية. قد يكون هناك مختبر جرثومي معين نُقل الى الصين أو رُمي في الصين”.
أما بالنسبة الى الخاسر والرابح، فيؤكد سرور أن “حجم الخسائر التي تكبدتها الصين خلال الشهر ونصف الشهر بلغت حوالى 440 مليار دولار تتراوح بين خسارة استثمارات وبين منع الصينيين من الاستثمار في دول أخرى، حتىى الأجانب خرجوا من الصين، ما أدى الى تراجع كبير في النمو الصيني ( تراجع في معدلات النمو بشكل كبير)، بالإضافة الى زيادة القيود على الحركة الصينية إلى باقي الدول.
كل ذلك جعل الاقتصاد العالمي في حال غير طبيعية، وهذا ما يضعنا أمام خاسر ورابح. لذلك اذا أردنا أن نُصنّف على المستوى السياسي والعلاقات الدولية، تعتبر الصين خاسراً كبيراً، أما الرابح الأكبر فهو الولايات المتحدة الأميركية، باعتبار أن أي ضعف من أي دولة قوية ممكن أن يُعزز وضعية أميركا”.
من القراءة السياسية الى القراءة العلمية، هل يمكن تركيب فيروس ونشره كما يُحكى عن فيروس الكورونا؟
يؤكد الاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور جاك مخباط لـ”النهار” أنه “من الناحية البيولوجية مما لا شك فيه أن الاحتمالات والطرق لتغيير وتركيب شكل ومحتويات الفيروس واردة وممكنة خاصة الفيروسات عكس الجراثيم التي يصعب العمل عليها. لذا يمكن العمل بسهولة على الفيروسات والبرهان على ذلك امكانية اجراء لقاح ضد الفيروس بشكل عام. كما انه يتم استخدام الفيروسات أكثر وأكثر خصوصاً في بعض العلاجات السرطانية، حيث يتمّ وضع مواد علاجية كيميائية مركبة على فيروسات أو مواد مكافحة للخلايا السرطانية لقتلها. كما نشهد اليوم على تزويج الفيروسات لتقوية اللقاح كما هي الحال مع اللقاح الذي يتم العمل عليه لفيروس HIV (حيث يتم تزويج جزء من فيروس HIV مع جزء من فيروس Adenovirus).
اذاً علمياً يمكن تصنيع الفيروس أو أقله أخذ فيروس طبيعي وتغييره. من الناحية البيولوجية هذه الفكرة منطقية وقابلة للتطبيق. لكن هل يمكن استخدامها كسلاح بيولوجي؟ وفق مخباط “صحيح انه يمكن استخدام أي شيء كسلاح بيولوجي، ونحن نعلم أنه في عدد من المؤسسات العالمية لديهم مخزون لجراثيم قد تكون قاتلة وقد تستخدم كسلاح بيولوجي. وصحيح أيضاً أن هذا السلاح البيولوجي استُخدم سابقاً في بعض الحالات، لكن لم يكن لديه هذه الفعالية اللازمة، لأن هذا السلاح قد يضرب من تسبب به، وله ارتدادات وينتشر بسرعة ويصعب تطويقه. لذلك يعتبر السلاح البيولوجي غير فعال من الناحية الحربية”.
اذا دخلنا في قراءة سريعة، فإن الاقتصاد الصيني والاقتصاد العالمي مرتبط ببعضه، حتى الشركات الأميركية لديها مصنع في الصين وكذلك أوروبا. فإذا كان الهدف تدمير الاقتصاد الصيني فإن ذلك سيرتد على الدول الأخرى ومنها أميركا. وما يجري اليوم في الصين أدى الى هبوط النمو الاقتصادي وسقطت الأسهم العالمية في البورصات. مما لا شك فيه أن الصين بدأت تدفع الثمن وتكبدت خسائر كبيرة لكنها ليست الوحيدة التي ستتأثر بهذه الخسائر الإقتصادية وهناك دول أخرى ستشهد هبوطاً وتراجعاً في حركتها ولو بمعدل أقل”.
إذاً، يستبعد مخباط نظرية المؤامرة لاسيما أن الحرب البيولوجية في التاريخ الحديث لم تُثبت فعاليتها لاسيما في المسألة الاقتصادية.
أما بالعودة الى الحرب البيولوجية التي شهدها التاريخ القديم، يشير مخباط الى أن “الجيوش استخدمتها أثناء انتشار الطاعون، حيث كان يعمد الجيش بعد تطويق المنطقة ويتبين وجود حالة طاعون حيث يتم رمي الجثة في المدينة او الفئران لإدخال الطاعون الى المدينة المحاصرة، بهدف اخراج الناس من المدينة.
كذلك مدينة بترا، فإن الرومان احتلوها من خلال تسميم المياه. هذه عينة صغيرة من الوسائل التي استخدمت في الحرب العسكرية.
كما نعرف أيضاً انه في الحرب العالمية الأولى والثانية كان لدى الجيوش مخزون من السلاح البيولوجي مثل الجيش الألماني والروسي والانكليزي، وكانوا يمتلكون سلاحاً ومواد لم تُستخدم. وحالياً هناك مخزون بيولوجي مثل فيروس الجدري موجود في بعض الترسنات العسكرية التي قد تُستخدم يوماً في الحرب العسكرية.
كذلك سقوط المكسيك في يد الإسبان في القرن السابع عشر، بطريقة غير مباشرة من خلال نقل الجيوش الاسبانية فيروس الجدري الذي أدى انتشاره الى وفاة المواطنين، وهي أشبه بحرب بيولوجية غير مقصودة، إلا أنها أدت إلى انتصار إسبانيا. ولا تزال بعض الجيوش حالياً تحتفظ ببعض هذه الفيروسات التي قد تلجأ إليها في حربها البيولوجية مثل فيروس الإيبولا والجدري وبكتيريا الجمرة الخبيثة”.
من جهته، يرى الاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور غسان الأعور في حديثه لـ”النهار” أن “نظرية المؤامرة لا يمكن نفيها ولا تأكيدها بشكل قاطع وجازم، وتبقى نظرية ضمن نظريات كثيرة ترافق هذا الفيروس. إذ تعمل اليوم مختبرات كثيرة في العالم على بعض الفيروسات لإجراء أبحاث طبية، ونعرف أن تغيير العوامل الوراثية أصبح ممكناً، نحن لا نتحدث عن بناء فيروس جديد، لأن الكورونا يعود الى سلسلة الكورورنا (تتضمن 40 نوعاً).
وقد أظهرت دراسة في الهند أن كورونا المستجد أُدخل اليه 4 جينات يمكن أن تُثير الشبهة باحتمال أن يكون فيروس الكورونا معدل جينياً. ما يعزز فرضية افتعال الفيروس، إلا ان هذه الدراسة تمّ سحبها بسرعة بعد نشرها بأيام”.
إذاً هل الكورورنا مفتعل؟ وفق الأعور “لا يمكن معرفة ذلك. ونحتاج الى أبحاث كثيرة للإجابة عن هذا السؤال والتسليم بهذه الفرضية.
ولكن بغض النظر عن افتعال الفيروس من عدمه، الاستنتاج الأهم يبقى في انتشار الفيروس وانتقال العدوى ومواجهته. في كل التقارير الطبية التي تتحدث عن انتشار الفيروس لاسيما في الصين، تؤكد على أن مسألة الانتشار في سوق اللحم في ووهان لم يعدّ لها أهمية.
لذلك يمكن القول إنه في حال كان هناك عمل ما في المختبرات، وتغيير فيروس كورورنا عن قصد أو عن غير قصد، إلا أن هذه الحادثة أصبحت خلفنا. علينا اليوم أن ننظر الى الأمام وأن نحمل همّ الفيروس.
وفي العودة إلى الماضي، شهد العالم على وجود فيروسات أثار الكثير من الشكوك ومنها فيروس HIV الذي ارتبط ظهوره بفرضية المؤامرة والحرب البيولوجية. علماً ان الـHIV يرتبط بعائلة معروفة من الفيروسات وليس ضائعاً على الخريطة الجينية. لذلك نظرية تبقى موجودة ويصعب اثباتها جداً.
في العصر الحديث لدينا أمثلة عن فيروس الكورونا الذي سبق وشهدناه في العام 2003 (أو ما يُعرف بفيروس السارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) 2012. وقد أُجريت أبحاث لا بأس بها حول هذين الفيروسين، وبناء على هذه المعطيات يمكن القول ان منظمة الصحة العالمية لم تواجه بعد خطر كبير كما هو الخطر الحاضر. وهذا ما يُفسر التردد بوصفه ومواجهته خصوصاً تأثيراته الكبيرة على الاقتصاد العالمي”.
مشيراً إلى أن “مدينة ووهان تعتبر صناعية بامتياز، وهي معروفة انها مدينة تجارية وعلمية وتكنولوجية… وقد توقف كل شيء في هذه المدينة، ولاسيما على صعيد الاقتصاد المحلي والعالمي وهذا ما قد يجعل منظمة الصحة العالمية تتأخر في اعلانها الفيروس كوباء”.
بحسب الأعور “نحن اليوم نواجه على الأرض جائحة عالمية تنتشر في كل مكان لاسيما ان قابلية الانتشار مرتفعة. تقدير الانتشار في وقتنا الحاضر بأن الشخص المعدي ممكن أن ينقل العدوى 2.2 شخصان، ( شخصان وزيادة). مثلاً في حال كان هناك مجموعة مؤلفة من 10 أشخاص يمكن أن ينقلوا العدوى إلى 22 شخصاً من حولهم. وبما ان فيروس كورونا يصيب الجهاز التنفسي فهو بنتقل عبر الرذاذ التنفسي واللمس.
وبما اننا في مواجهة مع جائحة عالمية، على منظمة الصحة العالمية أن تنصح الدول والمجتمعات وتزويدهم بالإرشادات الوقائية والإجراءات الضرورية للوقاية من الفيروس. ولكل دولة واقعها مع الفيروس الذي يختلف بين واحدة وأخرى. ويبقى من الثابت والأهم كيفية التعامل مع هذا الفيروس.
وزارة الصحة الفرنسية أعلنت أن لديها حالات قليلة، والأهم أنها على استعداد كامل للتعامل مع الحالات الجديدة. لكن ماذا عن لبنان؟
نعرف من دون شك أن قدرتنا محدودة نوعاً ما والأزمة الحالية تحدد أكثر وأكثر من قدراتنا، لذلك يجب أن نعتمد على منع انتشار الفيروس ونركز على الإجراءات الوقائية.
ينصح الأعور بـ:
- تفادي الانخراط في تجمعات أو بين مجموعات كبيرة.
- عدم المصافحة بالأيدي
- غسل اليدين جيداً
- تجنب الأشخاص أو الابتعاد عن الأشخاص الذين يعانون من أعراض صحية مسافة مترين.
- وضع الكمامات ( N95).