كتب محمد علوش في صحيفة الديار
طوال السنوات الماضية كانت ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مناسبة لقوى 14 آذار، ولكنها اختلفت هذا العام ، فلبست ثوب تيار «المستقبل» حصرا، من حيث الشكل والمضمون، فلم يحضرها كالعادة وليد جنبلاط، او سمير جعجع، أو سامي الجميل، ولم تُرفع الأيادي على المسرح مُعلنة الانتصار، ولكن حضرها من يهم الحريري أكثر، أي سفراء الدول العربية، كذلك كان الحفل مناسبة لعودة الحريري الى شارعه محاولا إرضاءه، والى الدول الخليجية محاولا استعادتها، فكيف بدا احتفال 14 شباط هذا العام؟
عرض تيار «المستقبل» وثائقيا دام لحوالي 20 دقيقة يتحدث عن إنجازات «الحريرية» السياسية التي بدأت مع الشهيد رفيق الحريري، واستمرت مع نجله سعد، وذلك في محاولة من التيار لصدّ الهجوم على الحريرية والذي انطلق منذ استقالة الحكومة الأخيرة، وجال رئيس تيار «المستقبل» بين الجماهير التي حضرت الى «بيت الوسط»، قبل الاحتفال وبعده. هذا في الشكل أما في مضمون الاحتفال والكلمة السياسية فيه، فهنا تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن الحريري بات الى حد كبير متماسكا في أفكاره السياسية، قادرا على توجيه الرسائل بلا الوقوع في فخ الخطابات العلنية، متمكّنا من التصويب على العهد من باب جبران باسيل دون كسر «الجرّة» مع الرئيس ميشال عون. انقسمت كلمة الحريري الى شقّين، الاول كان الهجوم على رئيس التيار الوطني الحر دون أن يسمّيه، وهذا ما لا داعي للتطرق اليه كثيرا كونه واضح الأسباب، والثاني كان عن الموقع السياسي لتيار «المستقبل» وهنا بيت القصيد، خصوصا مع تصاعد تحليلات كثيرة تتحدث عن عودة قوى 14 اذار الى الواجهة مجددا، وهذا ما يُعتبر بعيدا كل البعد عن الواقع والحقيقة.
تحدث الحريري بحسب المصادر عن حليف واحد سمّاه بالإسم هو وليد جنبلاط، بينما كان واضحا أن علاقته بـ«القوات اللبنانية» لم تعد الى سابق عهدها، وربما لن تعود قريبا، اذ عمد الحريري للتمييز بين الحزب «التقدمي الاشتراكي» وحزب «القوات»، ولو أن حديثه عنهما كان في جملة واحدة، الا أن رسائله «للقوات» انطلقت من الفيلم الوثائقي، حيث شدد على أن التسوية الرئاسية إنطلقت من معراب، لا من بيت الوسط، واستُكملت بالخطاب حيث رحّب بـ «مي شدياق» واكتفى بذلك.
اذا كان واضحا أن علاقة تيار «المستقبل» بأطراف 14 آذار ليست على ما يُرام، خصوصا وأن التيار على وشك التقدم باقتراح قانون انتخابي على أساس المحافظات الخمس، وهو ما يتعارض بشكل كامل مع تصور «القوات اللبنانية»، و«الكتائب اللبنانية»، وبالتالي لن نعود الى التقسيم السياسي السابق، بل قد نشهد تحالفات على القطعة، ومعارضات لملفات، بانتظار تحديد انتخابات نيابية مقبلة.
تشير المصادر الى أن الحريري تعمّد إطلاق النار في خطابه باتجاه واحد، هو التيار الوطني الحر، ولكنه بالمقابل أخفض سلاحه عندما اقترب من الثنائي الشيعي، فهو لا يريد لعلاقته الجيدة بهذا الفريق أن تتضرر، خصوصا بعد تحسّنها الى حدّ ما بالمرحلة السابقة.
واللافت في كلمة الحريري أيضا بحسب المصادر، عدم ذكر رئيس الحكومة حسان دياب، مشيرة الى أن هذا الأمر إيجابيّ، ويؤكد وجود قرار محليّ واقليمي ودولي، بإعطاء الحكومة فرصة العمل، ليكون هذا الأمر دفعة إضافية الى حسان دياب، بعد الدفعة الإيجابية التي تلقّاها من مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، قبلها بساعات، خصوصا أن هناك من قال أن المفتي الذي يمثّل صلة الوصل بين الدول السنّية الاقليمية، لا يتخّذ أي خطوة سياسية دون تنسيق مُسبق.
كذلك وجّه الحريري رسالة إيجابية أخرى للحكومة ورئيسها وللفريق الشيعي على حدّ سواء، عندما أكد لجمهوره أنه خرج من الحكومة بإرادته الشخصية، وبالتالي لا داعي لافتعال أي معارك مع أحد.
للحريري اليوم خصمان أساسيان، الاول هو التيار الوطني الحر، وقد عبّر عن ذلك بشكل واضح، والثاني هو «خصم عائلي» إسمه بهاء الحريري، اذ ما شهده ضريح رفيق الحريري في ذكرى 14 شباط، لم يحصل من قبل، حيث تواجد محبو «بهاء» وجها لوجه، وعصا مقابل عصا، مع محبي سعد الحريري، فهل تكون هذه المواجهة العلنية صورة عمّا هو قادم داخل تيار «المستقبل».