د. أحمد نزال – خاص ليبانون تايمز
(الحلقة الأولى)
عرف العربُ، منذ القدم، كثيرًا من فنون القول النثرية والشعرية، بيد أنَّ شهرتهم فاقت في الشعر، حتى قيل: “الشعر ديوان العرب”. وقد غدا الشعرُ السجلَ الحقيقيَّ لحياة العرب في العصر الجاهلي، العامة والخاصة، حفظ تاريخهم وأيامهم ومآثرهم.
لم يعرف الشعرُ العربيُّ التدوينَ إلا بعد عهدٍ من الزمن، وبذلك تعدّدت وسائلُ تلقي العربيّ للقصيدة العربية: القراءة في مرحلة أولى، الرواية، السماع والإنشاد. ومنذ أن عُرِف الشعر الجاهليّ، وله رواةٌ ينقلونه: زهير راوية أوس، والحطيئة راوية زهير، وعبيد راوية الأعشى… وكان الشاعر يتخذُ راويةً يروي شعره أمام الناس، حتى ينفتق لسان الأخير ويسيل عليه ينبوع الشعر.
الرواية التي نعني هي الحمل والنقل، نقل الأشعار والأحاديث، حيث كان الشعر يسري بين القبائل العربية سريان النار في الهشيم، من خلال قنوات اتصال تلك الأيام: الوفادة على المياه، الأسمار العربية، الضيافة العربية، القوافل التجارية، الأسواق العربية، الوفادة على الملوك. وهذه مجالات معروفة في العصر الجاهلي، يجتمع الناس، يروون أشعار الشعراء، وهكذا تنتشر في الآفاق، وتسمع هنا وهناك.
يلازم الراوي الشاعرَ، يروي شعره وربما شعرَ غيره، حتى يستقيم عودُهُ على النحو الذي يذكره الأصمعي: “لا يصير الشاعر في قريض الشعر فحلًا حتى يروي أشعار العرب ويسمع الأخبار ويعرف المعاني وتدور في مسامعه الألفاظ”.
الرواية نوع من الدراسة ووسيلة يستعين بها الرواة، إلى جانب الطبع، على بلوغ الغاية التي يهدفون إليها، “أن يكونوا شعراء”. وتجمع بين الشعر وراويته علاقة قوية الأواصر. كيف لا وهو أستاذه الذي يؤول إليه ويأخذ عنه صناعة الكلام وفن القول، يبادله الوفاء برواية شعره والدفاع عنه في المناسبات المختلفة.
إن رواية الشعر أنتجت شعراء، تمرسوا على الكلام الجيد وتحكموا فيه، وامتلكوا ناصية البيان، فجرى الشعرُ على ألسنتهم في عذوبة ورقة، فكان الشعرُ العربيُّ ما كان. فهل يعود زمنُ رواية الشعر في زمن شعر الرواية؟؟؟