في الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن الدولي مساء الخميس لبحث الأوضاع في منطقة إدلب، وبعد الاستماع إلى كلمات أعضاء المجلس الـ15، أعطيت الكلمة لممثل سوريا لدى الأمم المتحدة، السفير بشار الجعفري. وبينما كان يوضح موقف بلده مما يجري في منطقة إدلب، وفي منتصف البيان الذي كان يدلي به، حثه رئيس المجلس، سفير بلجيكا، مارك بيكستين، على اختتام ملاحظاته تماشيا مع مهلة الخمس دقائق.
لكن السفير الروسي، فيسالي نيبنزيا، اعترض على موقف رئيس المجلس وأوقفه طالبا نقطة نظام، وأكد في تفسيره لنقطة النظام أن “المجلس يناقش حاليًا موقفًا يؤثر بشكل مباشر على سوريا، ومن حق ممثل سوريا المعني بالأمر أولا أن يتكلم طالما كان ذلك ضروريًا”. وشدد على أنه من غير المقبول إيقاف بيانه لأي سبب من الأسباب. ثم قام الرئيس بالطلب من السفير الجعفري متابعة بيانه.
تابع الجعفري كلمته قائلا إن تحسين الوضع في سوريا “يقتضي مراجعة حكومات الدول الغربية المعادية لسوريا لسياساتها واعتماد مبادرات تستند لمبادئ القانون الدولي وتضع حدا لأعمال الإكراه وتضمن سلامة ووحدة الأراضي السورية ودعم جهود سوريا وحلفائها في مكافحة الإرهاب لتحرير إدلب وكل شبر من سوريا، كما كان الحال عند تحرير حمص وشرق حلب وغيرها”. واتهم الجعفري حكومات الدول الغربية بالسعي إلى تدمير سوريا ونشر الفوضى الخلاقة ونهب الثروات.
وقال الجعفري إن المجتمع الدولي “أدمن” على مشهد أحادي على حدّ تعبيره “أما المشهد العام فهو غير محبذ”، ليضيف أن سوريا تستند إلى أحكام الميثاق وتتمسك بمبادئ القانون الدولي.
وهاجم الجعفري تركيا التي تنسق مع جبهة النصرة التي اعتبرها مجلس الأمن منظمة إرهابية، وأكد أن من حق سوريا أن تحرر أراضيها جميعا من الإرهابيين وأن تسترد سيادتها على كل الأراضي السورية وهذا حق يكفله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وكان مجلس الأمن قد عقد جلسة طارئة الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس، بدعوة من ثلاثة من أعضاء المجلس هم: المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا. وكان أول المتحدثين، عن طريق الدائرة التلفزيونية المغلقة، غير بيدرسون، الممثل الخاص للأمين العام للملف السوري، الذي حذر من “خطورة الأوضاع” في منطقة إدلب قائلا: “الوقت يداهمنا. هذا الأمر يتسبب بمعاناة إنسانية غير مقبولة على الإطلاق ويعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر”.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إن الضربات الجوية والبرية في منطقة إدلب، شمال غربي سوريا، تسببت في “موجات هائلة من النزوح المدني وخسائر كبيرة في أرواح المدنيين”.
وأضاف بيدرسون: “إننا نشهد كارثة إنسانية حذر منها الأمين العام للأمم المتحدة، وهذا الأمر يتسبب في معاناة إنسانية غير مقبولة على الإطلاق ويعرض السلام والأمن الدوليين للخطر، مع ذلك بالإمكان وقف المعاناة، ويجب وقفها الآن”.
وقال بيدرسون إن قوات النظام السوري شنت عملية برية في المناطق الواقعة جنوب شرق إدلب، وهي منطقة خفض التصعيد”، وإنها قد “أعلنت السيطرة مؤخرا على معرة النعمان التي هجرها سكانها بسبب الهجمات”.
وقال بيدرسون إنه في نفس الفترة، “شنت “هيئة تحرير الشام” ومجموعات معارضة مسلحة أخرى غارات عديدة وهجمات مرتدة على طول تلك الجبهات من بينها غربي حلب ومنطقة الباب في شمالي حلب”. وأضاف: “ثمّة تقارير عن استهداف منشآت عسكرية سورية وروسية بطائرات مسيّرة جنوب غرب إدلب. وهناك تقارير من وزارة الدفاع التركية أن سبعة جنود أتراك لقوا حتفهم في استهداف برج عسكري قرب سراقب بنيران مدفعيات سورية”.
وقال بيدرسون إن إدلب “تحولت إلى ملجأ لمئات الآلاف من المدنيين الذين جاءوا إليها من مناطق أخرى في سوريا فارين من العنف ولهذا السبب تضخم عدد السكان إلى ثلاثة ملايين شخص، غالبيتهم العظمى مدنيون”. وأكد المسؤول الأممي أن “الطرق العسكرية لن تحل المشكلة، وحذر من استمرار القتال العسكري قائلا إنه سيزيد ويرسخ الانقسام الدولي العميق بشأن سوريا وسيقود إلى المزيد من الضغط ويُضعف الآفاق لإيجاد الديناميكية المطلوبة لبناء جسور الثقة”. وقال بيدرسون: “حقيقة أن تركيا وسوريا، وهما دولتان عضوتان في الأمم المتحدة، تشتبكان مع بعضهما البعض داخل سوريا تشير إلى احتمال إشعال فتيل الأزمة في المنطقة بشكل مباشر – وأبعد منها بكثير”.
وقال بيدرسون إن اتفاقيات سابقة أثبتت نجاعة في فرض الهدوء، في إشارة إلى أن إدلب أصبحت منطقة خفض تصعيد بعد اتفاق أيار/مايو عام 2017، وتساءل بيدرسون: “لماذا لا نبرم اتفاقيات مشابهة؟ هذه هي الرسالة التي حملتها خلال اجتماعاتي في موسكو ودمشق ومع مسؤولين أتراك رفيعي المستوى ومع رئيس فرقة العمل الإنساني في جنيف اليوم، وسأحمل هذه الرسالة إلى طهران في الأيام المقبلة وسأواصل الضغط على الأطراف المهمة لتحمل مسؤولياتها في انتهاج سبيل مختلف”.
وناشد بيدرسون “وقف جميع الأعمال العدائية، وبذل جهود دولية جادة للتعاون حول إدلب”. وقال: “هذا واجب إنساني والسبيل لمواجهة الإرهاب بشكل فعّال”.
ثم ألقى منسق الشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، إحاطة من قاعة المجلس حول الوضع الإنساني “المزري” في إدلب وريفها، وقال: “نستيقظ يوميا على وقع تقارير جديدة بشأن قصف وغارات جوية على العديد من المجتمعات في شمال غرب البلاد. أكثر من 95% من القتلى المدنيين كانوا في مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية”.
وقال “لقد وثق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مقتل 373 مدنيا منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر. وتم تسجيل 49 وفاة بين الأول والخامس من شباط/فبراير. وقُتل أيضا في الأيام الماضية ثلاثة من العاملين الإنسانيين تابعين لمنظمات تعمل الأمم المتحدة معها عن كثب”.
وأضاف لوكوك أن “العنف أجبر مئات الآلاف من المواطنين على التنقل بحثا عن الأمان”. وقدّر عدد النازحين بـ “586 ألف شخص نزحوا خلال الشهرين الماضيين، 200 ألف نزحوا خلال الأيام الثمانية الواقعة بين 26 كانون الثاني/يناير و2 شباط/فبراير، معظمهم أطفال. كما سجّلت اليونيسف نزوح 300 ألف طفل منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر. وتتجه موجات النزوح إلى شمال وغرب المنطقة وهي مناطق صغيرة تخضع لسيطرة مجموعات غير حكومية”. وقال لوكوك: “أصبحت المدن والقرى تعاني من اكتظاظ شديد مما دفع بنحو 80 ألف نازح للجوء إلى مبان غير مكتملة البناء”.
وقال منسق الشؤون الإنسانية والطوارئ إن “الأمم المتحدة والشركاء في المجتمع الإنساني يبذلون قصارى جهودهم لتلبية الاحتياجات لنحو ثلاثة ملايين شخص يحتاجون إلى المساعدة في شمال غرب سوريا”. وأضاف: “في كانون الثاني/يناير أرسلت 1،227 شحنة محملة بالمساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبري باب الهوى وباب السلام الحدوديين. وحملت 900 شاحنة مساعدات غذائية إلى 1.4 مليون شخص، وحملت شاحنات أخرى مستلزمات طبية لنحو نصف مليون شخص ومواد غير غذائية لأكثر من 230 ألف شخص، هذه أكبر شحنة مساعدات ترسلها الأمم المتحدة عبر الحدود منذ 2014”.
وأعلن لوكوك تقديم 30 مليون دولار من صندوق الاستجابة الطارئة المركزي لخطة الاستجابة الجديدة في إدلب. وكانت أوتشا قد أعلنت تقديم 44 مليون دولار في كانون الأول/ديسمبر الماضي من صندوق الاستجابة الطارئة المركزي للأزمة السورية. وطالبت أوتشا قبل أيام بمساعدات بقيمة 336 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية للأشهر الستة المقبلة.
وقال لوكوك: “إن الوقت يداهمنا، فخطوط المواجهة انتقلت لتبعد بضع كيلومترات عن مدينة إدلب، أكبر مدينة حضرية في شمال غرب البلاد”. وأضاف أن المطلوب هو حوار حقيقي بين جميع أطراف الصراع للتوصل إلى حل سياسي دائم طبقا لقرار 2254 (2015)”.