انضم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، إلى فريق من القادة العرب يسيرون بقطار التطبيع إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، تتقدمهم دول خليجية أبرزها الإمارات والسعودية. فالخطوة التي اتخذها البرهان، وسط ذهول السودانيين، مثلت تلخيصا واقعيا للهمس الذي كان يدور بين الفينة والأخرى عن علاقات مطلوبة مع تل أبيب يقابلها رفض في التصريحات العلنية لنظام عمر البشير.
وكان لقاء البرهان ونتنياهو خطوة مفاجئة بالنسبة إلى مجلس الوزراء الانتقالي، علماً أنه الأول من نوعه على هذا المستوى بين الدولتين اللتين هما نظرياً في حال حرب. وعقد لقاء عنتيبي بعد إعلان السودان أن وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو دعا البرهان لزيارة واشنطن للبحث في العلاقات الثنائية.
ولا تزال الولايات المتحدة تضع السودان على لائحتها للدول التي تصفها بأنها “راعية للإرهاب”، وفي عام 1993، أدرجت الولايات المتحدة السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب استضافته بن لادن. وضاعفت واشنطن إجراءاتها ضد السودان عبر فرض عقوبات تجارية صارمة على البلاد عام 1997. وقررت رفع تلك القيود في تشرين الأول 2017، لكنها أبقت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب إلى جانب كوريا الشمالية وإيران وسوريا.
يذكر انه أثير موضوع التقارب مع إسرائيل في مؤتمر الحوار الوطني، الذي بدأت جلساته في 2014 واستمر نحو عامين بعد اقتراح حزب “المستقلين” تطبيع العلاقة مع إسرائيل، في سياق تحسين العلاقات الخارجية وباعتباره مدخلا جيدا إلى الإدارة الأميركية. ولم يمض وقت طويل على هذا الجدل حتى فوجئ الجميع بوزير الخارجية السابق إبراهيم غندور وهو يقول إن بلاده لا تمانع دارسة إمكانية التطبيع مع إسرائيل.
وقبلها كانت تسريبات “ويكيليكس” تتحدث أن وزير الخارجية السابق ومستشار الرئيس عمر حسن البشير وقتها مصطفى عثمان إسماعيل، قال إن حكومة بلاده تقترح على الولايات المتحدة أوجها للتعاون تتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كما تجدر الاشارة الى انه قبل عام بالضبط ذكرت مجلة “ميديل إيست آي” بالإنكليزية في 4 كانون الثاني 2019 أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير أعلن لوسائل الإعلام أن إدارة ترامب طلبت منه “تطبيع علاقات السودان مع إسرائيل” لكي تقوم بتحسين علاقاتها مع السودان وتزيل اسم السودان من قائمة “الدول الإرهابية”، وأكد أنه “رفض هذا الطلب” وكانت التظاهرات السودانية مستمرة ضد البشير في ذلك الوقت.
هذه الاختراقات الخطيرة وغير المسبوقة التي تنفذها إسرائيل بواسطة اللقاءات العلنية المفاجئة لنتنياهو مع مسؤولين عرب بدءاً بسلطان عمان الراحل وانتهاء برئيس السودان قبل أيام، لم يعد هدفها زيادة شق الصف العربي فقط بل توظيف بعض الدول العربية بمهام وإجراءات تفرضها القيادة الإسرائيلية عليها ضد كل من يدعم الحقوق الفلسطينية الشرعية وكل من يقف إلى جانب سوريا في تمسكها بتحرير الأراضي السورية المحتلة في الجولان.
ومن الامور التي سعت اليها اسرائيل من خلال تدشين العلاقات الدبلوماسية الحصول على امتياز الطيران فوق السودان للوصول إلى أميركا اللاتينية، وهذا الهدف الصريح الذي أعلنته بعيد اللقاء، لكن هناك جملة عديدة من الأهداف على رأسها أطماعها التوسعية والتغلغل بالجسد العربي، الذي يعاني الأمرين جراء اختلاف الرؤى والأولويات لديه.
وعلى الصعيد الداخلي بكيان الاحتلال، تطبيع العلاقات مع السودان تحديداً في هذا التوقيت يساعد نتنياهو في إبراز مؤهلاته الدبلوماسية قبل شهر من الانتخابات المقررة في إسرائيل في الثاني من آذار المقبل، وهي الانتخابات التي قد تكون الفرصة الأخيرة لنتنياهو لإنقاذ نفسه بعد أن تم توجيه اتهامات رسمية له بتلقي الرشوة وخيانة الأمانة والفساد، وأصبح الآن متهماً من ناحية التوصيف القانوني.
كما ان تطبيع العلاقات مع السودان يمكن أيضاً أن يمهد الطريق أمام تعهد يعلنه الزعيم اليميني الإسرائيلي بترحيل السودانيين الذين يمثلون نحو 20% من العمال غير الشرعيين في إسرائيل، وهي خطوة يدعمها كثير من مؤيديه، وكان هؤلاء المهاجرون قد قالوا في السابق إنه من غير الممكن تسليمهم لأنهم يواجهون عقاباً لسفرهم إلى إسرائيل وهي عدو لبلادهم أي السودان.
الآن ينتظر السودانيون التفسير الكامل البرهان لاجتماعه بنتنياهو، كما عليه أن يعطي تبريرات مقنعة لتيارات دينية متشددة تعارض بقوة فكرة التقارب مع إسرائيل. خاصة وان لقاء البرهان، مع رئيس وزراء العدو الصهيوني في أوغندا، يمثل خطوة تطبيعية بائسة، تنضم إلى خطوات مماثلة قامت بها بعض الرسميات العربية تحت ذريعة أن أصحاب الشأن الفلسطينيين سبقونا على الدرب ذاته.