رغم كل ما تشهده المنطقة من تطورات سياسية وميدانية، لم تغب الحدود البحرية للبنان عن ساحة الاهتمامات الرئيسية الداخلية والدولية، خاصة وأنها يمكن أن تكون عامل انفجار جديد في المنطقة، كما أنها من جهة أخرى تشكل الخلاص للبنان من أزمته الإقتصادية، وهي أحد أهم النقاط في التفاوض الحكومي.
أصل المشكلة وخط “هوف”
أوضحت مصادر مطلعة على الملف لـ”ليبانون تايمز” أنه بتاريخ 17 كانون الثاني 2007 وفي عهد حكومة فؤاد السنيورة، ارتكبت مديرية النقل “هفوة” وصلت الى حدود “الجريمة” خلال تحديدها المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص بإعتمادها خلال الترسيم على اتفاق قبرص ومصر دون تعديل يذكر، وبناء على دراسة بريطانية تم اعتمادها لم تكن لصالح لبنان، وينص الاتفاق في مادته الأولى على أنّه “يتمّ تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين بالاستناد إلى خط المنتصف الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الأساس للطرفين” كما هو معرّف ومحدّد وفق النقاط المحددة من (1)[12] إلى (6)[13] المبيّنة في قائمة الاحداثيات الجغرافية” الملحقة بالاتفاق والتي وقّع عليها الطرفان، وبهذا الاتفاق خسر لبنان 860 كلم2 من حدوده البحرية المفروض ان تكون موصولة الى نقطة “الناقورة 23″، وسبب ذلك عدم تحضير الملف بشكل كاف من قبل الدولة، كما ان اسرائيل اعتمدت على الاتفاقية الاولية بين لبنان وقبرص لترسيم حدودها البحرية مع قبرص اي انطلاقا من نقطة رقم “1”، وهنا يكمن اصل الخلاف بسبب الاعتراض اللبناني على ذلك.
وفي الاطار ذاته، اوضحت المصادر ان قيادة الجيش طلبت منذ العام 2012 عبر وزارة الدفاع تشكيل هيئة مختصة لترسيم الحدود، الا أن الملف لا زال بأدراج مجلس الوزراء، كما تجدر الاشارة إلى أنّ الجيش اللبناني أجرى في العام 2011 مراجعة تقنيّة لما تمّ انجازه من قبل اللجنة المذكورة للوقوف على دقّة العمل وتوصّل إلى رسم خطوط حدودية أكثر دقّة، وإعتماد إحداثيات نقاط حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التي وضعتها اللجنة المشتركة ولا سيّما أنّها قد صدرت بالمرسوم 6433/2011 الّذي ترك الباب مفتوحًا أمام إمكان مراجعة هذه الحدود وتحسينها عند توافر بيانات أكثر دقّة وفق الحاجة.
الخطوات العملية للترسيم
وذكرت المصادر المعنية أن لبنان صدق على الحدود البحرية له بـ 12 ميل بحري عام 1983، وفي العام 2007 تم تحديد الحدود البحرية الخالصة مع قبرص، وبتاريخ 19⁄10⁄2010، أودع لبنان الأمم المتحدة الاحداثيات الجغرافية للجزء الجنوبي لمنطقته الاقتصادية الخالصة [15] التي تمتدّ من النقطة B1 وموقعها رأس الناقورة إلى النقطة 23 (المتنازع عليها مع اسرائيل والتي يعتبرها لبنان جزءا من حقه الطبيعي).
الا انه بتاريخ 12/7/2011 أودعت بعثة إسرائيل الدائمة لدى الأمم المتحدة لائحة الاحداثيات الجغرافية للجزء الشمالي من المياه الاقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة التي يدّعي العدو الاسرائيلي أنها عائدة له. وقد اعتمدت النقطة (1) المذكورة في اتفاقها مع قبرص، مقتطعة بذلك مساحة قدرها حوالى 860 كلم 2 من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان.
بالمقابل صدر في لبنان بتاريخ 17/8/2011 قانون تحديد واعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية في الجريدة الرسمية الذي تحدّد فيه مياهها الداخلية وبحرها الاقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري تطبيقًا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والتي دخلت حيّز التنفيذ في 5/1/1995.
1700 كلم2 وليس 860 كلم2!
واكدت المصادر المعنية بالملف ان “الاشكالية مع العدو الاسرائلي ليست ترسيم خط الوسط البحري بل المعايير التي يجب اعتمادها لترسيم الحدود”، واوضحت ان لبنان لديه عدة خيارات لترسيم الحدود البحرية الخالصة، كاشفة ان هناك 1700 كلم 2 بين خط “هوف” المطروح اميركيا والحدود البحرية الرسمية للبنان، وليس 860 كلم 2 كما هو مطروح، مؤكدة ان الاشكالية في ذلك ان اسرائيل تعتبر صخرة “تخيلت” جزيرة وتستعملها في ترسيم الحدود، وهذا الموضوع غير قانوني لانها وفق القوانين الدولية لا تعدو اكثر من كونها صخرة ولا يعتد بها في ترسيم الحدود، موضحة انه اذا تم التساهل من قبل لبنان واحتساب الخط الوسط دون احتساب جزيرة “تخيلت” يبقى للبنان مساحة 1350 كلم2.
وشددت المصادر على انه في كل الطرق المتبعة في ترسيم الخطوط البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة تعطينا مساحات اضافية على عكس ما يلحظه خط “هوف” الاميركي، مشيرة الى انه بحال القبول بالمخطط الاميركي سنخسر في البلوك رقم 8 بشكل كبير. واشارت الى ان اسرائيل لا تلتزم بقانون البحار، الا انها تلتزم باتفاقية جنيف عام 1958 وهذه الاتفاقية لصالح لبنان اكثر من اسرائيل. واكّدت أن من الاهمية بمكان تحديد نقطة راس الناقورة البرية لرسم الخط البحري بشكل دقيق وعلمي.
التراجع الاميركي
لفتت المصادر الى ان ملف الـ1700 كلم2 ليس جديدا، بل طرحه رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال اجتماعه بمساعد وزير الخارجية الاميركي دايفيد ساترفيلد، واكد رفضه الطرح الاميركي حول النفط والبلوك رقم 9، ولفت ان للبنان مساحة 500 كلم2 بالاضافة الى مساحة الـ860 كلم2 والتي لن يتنازل او يتخلى عن حبة تراب وشبر مياه منها.
واوضحت المصادر انه بناء على التشدد اللبناني عدّل ساتيرفيلد الطرح الاميركي من 60 بالمئة للبنان و40 بالمئة لاسرائيل الى 75 بالمئة للبنان و25 بالمئة لاسرائيل الا انه ايضا قوبل برفض لبناني لاي تنازل بحري او بري. وذكرت المصادر بكلام قائد الجيش العماد جوزيف عون لجهوزية الجيش اللبناني لمواجهة اي اعتداء اسرائيلي او اي اختراق لسيادته.
ولفتت في السياق الى ان شركات النفط التي استثمرت في البلوك رقم 9 محميّة بالقانون الدولي، ولا يحقّ لاسرائيل اعتراضها لان الحق مع الدولة اللبنانية قانونيا.
الـ”Verbal note“
طالبت وزارة الخارجية بتوجيه رسالة “Verbal note” الى الامين العام للامم المتحدة والى سفارات الدول الكبرى، مفادها “ان لبنان يعترض على ترسيم العدو الاسرائيلي لحدوده البحرية بخط بحري داخل المياه اللبنانية يقضم مساحة تقدر بحوالي 860 كلم2 من تلك المياه، وفي حال الاستمرار بهذا الاعتداء سوف تلجأ الدولة اللبنانية الى اعادة ترسيم حدودها البحرية الجنوبية وفقا لقواعد اخرى تتوافق مع القانون الدولي لا سيما اتفاقية جنيف عام 1958 المبرمة من قبل هذا العدو في العام 1961، وكذلك اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار للعام 1982 والتي انضم اليها لبنان في العام 1995″، ومن شأن هذا الترسيم الجديد اعطاء لبنان مساحات اضافية جنوبا تقدر بحوالي 1350 كلم2 من منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية، وبالتالي تشكّل هذه الرسالة ضغطا على اسرائيل وعلى شركات النفط الراغبة في العمل في المناطق المحاذية للحدود البحرية من الجهة الاسرائيلية، وتجعلها تتردد في تقديم عروضها للعمل في تلك المناطق لحين البت النهائي بتلك الحدود البحرية.
إن هذا التشدد في الموقف اللبناني دفع الاميركي لوضع شرط أساسي لأي تسوية مقبلة في لبنان عنوانها تغيير المفاوض في الملف النفطي وترسيم الحدود أي رئيس حركة أمل والمجلس النيابي نبيه بري، ولكن هذا الشرط لا يمكن أن يمر وقد أُبلغ الأميركي بهذا الأمر.