خلود شحادة – ليبانون تايمز
كل بلدان العالم شهدت نزعات تغييرية شعبية لتحقيق الاصلاح أو تغيير النظام، واتسمت أنظمة الدول العربية على طول السنين التي مضت بالفساد، وعانت شعوبها من الحرمان والقمع والفقر. ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي أوائل التسعينيات، تفرّدت الولايات المتحدة الأميركية بالقرار العالمي، ولا زالت حتى اليوم تمارس هذه الهيمنة، وتتهم بتشغيل سفاراتها لخدمة أجنداتها في الدول كافة.
شاعت في العقدين الأخيرين ثورات أطلق عليها مصطلح الثورة الملونة وهي الثورة التي تتخذ لوناً محدداً لها، ترفع أعلاماً به وتتخذ من ذلك اللون شعاراً لها.
بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، العديد من المفكرين ومراكز الأبحاث والمحللين يعتقد وبشدة، أن إستراتيجية الثورة الملونة تصدرها الولايات المتحدة عبر منظمات المجتمع المدني وهيئة حقوق الإنسان العالمية غير الهادفة إلى الربح، للتخلص من النظام القائم بشكل سلمي، وبدون نشوب الحروب بين الثورة والدولة القائمة.
هناك العديد من مراكز الأبحاث التي تبحث في فكرة التغيير السلمي والثورات الملونة، وأحد أشهر هذه المراكز التي تصدّر وتنظّر لفكرة الثورات الملونة، مركز “ألبرت آينشتاين” بالولايات المتحدة الذي اسسه أحد أبرز عملاء المخابرات المركزية الأميركية.
الملفت في هذه الثورات أن الولايات المتحدة تصبح أول الدول اعترافاً بها، ودفعا في سبيل إنجاحها، تليها العديد من دول أوروبا التي ترتبط مصالحها بمصالح الولايات المتحدة الأميركية.
ابرز هذه الثورات ثورة الزهور في جورجيا، والتي يُعرف عنها بأنها ثورة ناعمة أطاحت بالرئيس الجورجي المدعوم من موسكو آنذاك وأوصلت شخصاً مدعوماً من الغرب لسدة الرئاسة.
الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004. وثورة التوليب في قيرغيزيا عام 2005 التي أدت الى خلع رئيس البلاد. اضافة الى التحرك الأخضر في ايران في حزيران عام 2009 عقب اعلان فوز محمود أحمدي نجاد للانتخابات الرئاسية بولاية ثانية.
إلى جانب هذه الثورات، برزت ثورة الارز وهي مجموعة من التظاهرات الشعبية والمدنية في لبنان وخصوصا في العاصمة بيروت، جراء إغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط 2005، لكنها عرفت عن نفسها بانتفاضة الاستقلال حينها.
و ثورات “الربيع العربي” التي نشبت في أواخر العام 2010 وهي مستوحاة من ربيع براغ الذي أنشئ ضد الاتحاد السوفيتي. اعتمد الإعلام العربي هذه التسمية بعد استخدامها من وسائل الإعلام الاجنبية، وكانت باكورتها ثورة الياسمين في تونس. وقد سهّلت الأنظمة العربية، ترويج وتغذية هذه الحركات عبر فشلها بإدارة البلاد وانتشار الفقر والبطالة والعوز بين المواطنين.
كما ظهرت حركة السترات الصفر في فرنسا في أيار من العام 2018، لكنها اشتهرت في تشرين الثاني من العام نفسه، حيث تمكنت من اشعال فتيل التظاهرات تنديداً باجرءات النظام المتمثلة بزيادة الضرائب.
واليوم، يشهد لبنان تحركات شعبية منذ 17 من تشرين الأول الفائت، وقد قطعت هذه التحركات الأربعين يوماً، محاولة الضغط على السلطة لتحقيق مطالبها المتفاوتة بين المتظاهرين أنفسهم، فمنهم من ينادي بالاصلاح وتأمين سبل العيش الكريم، والبعض الآخر يطالب “باسقاط النظام”، وهي الجملة التي ترددت على مسامع الجميع خلال تظاهرات ما يسمى بالربيع العربي، وقد تمكن الحراك من دفع الحكومة الى الاستقالة تحت ضغط الشارع.
مدت السلطة اليد للمتظاهرين عبر رئيس الجمهورية، وعبر ورقة اصلاحية قدمتها الحكومة قبل استقالتها لتحقيق المطالب، لكنها جوبهت بالرفض من قبل الحراك الشعبي، الأمر الذي وضع علامات استفهام حول هذه التحركات، خصوصاً بعد ركوب بعض الأحزاب الموجة، واطلاق بعض الهتافات المطالبة باسقاط سلاح المقاومة. وما زعزع ثقة العديد من الناس بالحراك، ما صرّح به المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان أمام الكونغرس الأميركي، التي ركّزت على التطورات اللبنانية الأخيرة سياسياً وشعبياً وتضمنت جملة من التدخلات في هذا الأمر وكشف طريقة التفكير الأميركية في التعاطي مع الحراك الشعبي والضغوط على لبنان.
لا زال الحكم على الحراك الآن غير منطقي مهما كان، فهناك العديد من المطالب المحقة التي أثقلت كاهل الشعب اللبناني بكامله، ولكن الانتظار هو الحل، مع التأكيد على ضرورة مبادرة السلطة الى تحقيق المطالب ومحاربة الفساد لاستعادة الثقة من الشعب، وقطع الطريق امام تنفيذ أي أجندة خارجية.