كتب غسان همداني
تعيش دولة الاحتلال أسوأ ايامها منذ نشأتها في العام 1948، فبالرغم من الانتكاسات التي مرت بها في شهر تشرين الأول من العام 1973، وخروجها مندحرة من الجنوب اللبناني تحت وطأة ضربات المقاومة في لبنان في العام 2000، وهزيمتها في حرب تموز من العام 2006، تبقى تداعيات حرب غزة الأقسى: عسكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، بالإضافة الى تغير في مزاج الرأي العام العالمي تجاه المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق المدنيين وخاصة ما حصل في مستشفى المعمداني.
دولة الاحتلال، وللمرة الأولى في تاريخها تستجدي الدعم الغربي، فإضافة الى تحرك البوارج الحربية الأميركية باتجاه الشرق الأوسط، والكلام عن نشر 2000 مقاتل أميركي في دولة العدو الإسرائيلي، والتجهيزات العسكرية التي بدأت بالوصول، نرى زيارات رؤساء الدول الغربية الى دولة الاحتلال والاعلان عن الوقوف معها في وجه ما اعتبروه “إرهاب حماس”.
هذا الموقف ليس مستغرباً، كما أنه ليس جديداً، فهذه الدولة هي ثمرة تخطيط غربي لزرع دولة معادية للمحيط العربي ــ الإسلامي في المنطقة، حيث قرر أحد الصهاينة غير اليهود اللورد بالمرستون حيثما كان يشغل منصب وزير خارجية بريطانيا في العام 1841 أن يستخدم اليهود كمخلب قط لقمع العرب الذين كانوا يتحركون ضد السلطنة العثمانية والتي كان من الضروري بقاؤها حسب المصالح الإنكليزية.
فقد أعلن في رسالة بعث بها الى السفير البريطاني في اسطنبول ” أنه إذا عاد أفراد الشعب اليهودي إلى فلسطين تحت رعاية السلطان العثماني وبناء على دعوة منه فإنهم سيقومون بكبح جماح اي مخططات شريرة قد يدبرها محمد علي أو من سيخلفه في المستقبل، وتوجت هذه المساعي بوعد بلفور في العام 1917 بدعم تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.
وتؤكد الأحداث التاريخية والوثائق العديدة والوقائع اليومية على ان الصهيونية غير اليهودية كانت وما تزال الأداة الأساسية التي عملت على ترسيخ أقدام اليهود في فلسطين ودعمهم سياسياً ومادياً وفكرياً.
هذا الدعم المطلق هو لبقاء دولة الاحتلال ومنع انهيارها للحفاظ على الغاية التي من اجلها أُنشئت، بالإضافة الى مصالح الدول الداعمة، لكن ظهر من خلال هذه الزيارات تباين في الرأي حول حرب غزة، فبينما يسعى رئيس الكيان الصهيوني نتانياهو الى تحقيق نصر ولو رمزي يستعيد فيه ماء وجهه ووجه كيانه ولو على حساب تدمير غزة فوق رؤوس ليس مدنييها فحسب بل فوق رؤوس الأسرى الإسرائيليين وفق قانون هانيبعل، كما تهجير الفلسطينيين الى كل من سيناء والأردن، وهو ما اثار موقفا مصرياً وأردنياً رافضاً ومديناً لهذه الخطوة، وموقفاً عربياً مندداً ومطالباً بتسوية تقوم على حل الدولتين، نرى موقف الدول الداعمة للكيان تخشى من تداعيات الحرب البرية، خصوصا على الساحة اللبنانية.
رئيس الكيان نتانياهو الذي يشعر بنهايته السياسية يهدد بتدمير غزة وتسويتها بالأرض، واستفزاز المقاومة في لبنان لجرها الى حرب يعلم مسبقاً مدى خطورتها على الكيان، ضارباً بعرض الحائط كل نصائح الدول الغربية وعلى رأسها أميركا بضرورة عدم التهور، وترك الباب مفتوحاً للمفاوضات.
يعلم رئيس الكيان علم اليقين أن أميركا وحلفائها لن يتخلوا عن ربيبتهم إسرائيل، ويراهن على تدخل هذه الأخيرة عندما تستشعر الخطر على مصير الكيان في الحرب وبشكل مباشر، وهو إن حصل يعني دخول دول إقليمية وعالمية على خط الحرب، وهذا ما لا ترغب به الدول الداعمة للكيان، وهي تعمل على إخراج هوليودي لنهاية هذه المعركة على قاعدة “الكل منتصر”، تمهيداً لتسوية تنهي الصراع العربي ــ الإسرائيلي، ويبدو أن حساب حقل هذه الدول لا ينطبق على حساب بيدر نتانياهو، فمن سيفوز: التسوية التي يرغب بها الغرب ومعظم الدول العربية أم الحرب التي يدق طبولها نتانياهو؟؟ .