ليبانون تايمز- ضياء عيّاد
في سيّارة عمومية يجلس المهندس المدني “أبو علي” وراء المقود، يمتهن السياقة من الساعة السادسة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً. يقول “أبو علي”، وهو رجل في العقد السابع من العمر، بأنّ أولاده يساعدونه مادياً ومعنوياً، لكنه إذا جلس وحيداً في البيت “ما بضاين شهرين”. بحسرة وقهر، يتحدّث عن غياب الدولة واستبعادها كبار السنّ عن اهتماماتها رغم الجهود الكبيرة التي بذلوها طوال سنوات عمرهم، مكتفياً بكلمة “الحمدلله”.
لا يمكن إسقاط الأزمة التي تلاحق كبار السنّ في لبنان على العمّ “أبو علي” فحسب، ولا على الرجال منهم فقط، فهناك العديد من النساء اللواتي يفترشن الطرقات أيضاً كمأوى أخير لهنّ، وتزداد يومياً مشاهد المسنّين المتسوّلين والجالسين على قارعة الطريق يبكون على حالهم.
23.3% من سكّان لبنان سيصبحون من كبار السنّ بحلول 2050
في العام2021، ذكرت وزارة الشؤون الإجتماعية بأنّ لبنان هو السبّاق بين الدول العربية من حيث ارتفاع وتيرة أعداد كبار السنّ، إذ يشكّل الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، 11% من سكان لبنان. كما يتوقّع أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 14% في العام 2030 وإلى 23.3% في 2050. وسيترافق ذلك مع تحوّل في تركيز الإعالة العمرية من إعالة الأطفال إلى إعالة كبار السنّ.
تعاون رسمي مع الجمعيّات المدنيّة لمساندة المسنّين
منذ إطلاق الإستراتيجية الوطنية لكبار السنّ 2020 – 2030 بالتعاون مع منظمة الإسكوا وصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، ركّزت وزارة الشؤون الإجتماعية على تطوير معايير حماية كبار السنّ، وذلك عبر رعايتهم بشكلٍ غير مباشر، من خلال التعاقد مع مؤسسات تؤمّن لهم الرعاية مقابل بدلٍ ماديّ معيّن لتأمين حاجاتهم الأساسيّة، كـ”جمعيّة المبرّات الخيرية” و”دار العجزة الإسلاميّة” و”راهبات المحبّة”.
تقول السيدة سمر سليلاتي، رئيسة دائرة شؤون الأسرة في مصلحة الشؤون الأسرية إنّ “الوزارة متعاقدة مع 34 مؤسسة متخصّصة برعاية كبار السنّ وهي موزّعة على كل الأراضي اللبنانية وتقدّم الخدمات لحوالي 1350 شخصاً من كبار السنّ. ويتمّ استقبال كبار السنّ في المؤسسات المتعاقدة، شرط أن يكونوا بصحة جيدة وقادرين على خدمة أنفسهم ولديهم عائلة أو وصي أو أوراق ثبوتية”.
وبالنسبة للتكاليف، فإنّ “الوزارة تغطّي إقامة المسنين/ات فقط وتدفع بدلاً ماديّاً عن كل شخص يبلغ 17500 ل.ل في اليوم. أمّا الأدوية والحفّاضات، إن لزمت، فهي على عاتق المسنّ/ة وأهله/ا. وأحياناً يتمّ تأمينها عبر مراكز الخدمات الإنمائية أو جمعيّة الشبّان المسيحية إذا كانت أدوية أمراض مزمنة كالضغط والسكري، وغيرها…”. وتضيف سليلاتي: “يُصرَف هذا المبلغ ضمن فواتير فصلية تبيّن عدد أيام الإقامة، وعبر جداول وفواتير تُرسَل إلى وزارة المالية ومن ثمّ يتمّ تحويلها في ما بعد إلى المؤسسات”.
أمّا الخدمات الأخرى التي تقدّمها الوزارة فهي كالتالي:
• يوجد حوالي 150000 كبير/ة سنّ يستفيدون/ن من مشروع إستهداف الفئات الأكثر فقراً الذي يوفّر مساعدات إجتماعية.
• برنامج “أمان” ودعم البطاقة التمويليّة الهادف إلى تخفيف عبء الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وإذ لا تتوفر أرقام محدّدة للمستفيدين، إلّا أنّ أعداداً كبيرة من كبار السنّ تنال قسطاً من الخدمات المتاخمة.
أمّا إذا أصبح المسنون/ات في مرحلة العجز فيستفيدون في هذه الحالة من عقد مشترك من الخدمات أو عبر مركز تأمين حقوق المعوّقين.
• حوالي 29000 من كبار السنّ (أي قرابة 33% من حاملي بطاقة الإعاقة) يستفيدون من البطاقات الإعاقيّة، والتي بموجبها يستحصل حاملها على الخدمات ذات الصلة من عكّاز أو كرسي متحرّك أو غيرها من الأدوات المساعِدة… مع الإشارة إلى أنّ هناك نقص في هذه الخدمات في الوقت الحالي بسبب الأزمة المالية الراهنة.
كما يستفيد حاملو البطاقات من خدمة استصدار إفادات للحصول على الإعفاءات التي نصّ عليها القانون 220/2000 ومنها إعفاءات ضريبية.
وبما يتعلّق بالمشرّدين، تلفت سليلاتي إلى أنّ “الوزارة متعاقدة مع مؤسسة “رسالة حياة” لاستقبال الأشخاص المحتاجين لمأوى، حتى لو لم يكن لديهم أوراق ثبوتيّة. ويتولّى القيّمون على هذا البرنامج إجراء تقييم نفسي سريع لحالة الأشخاص المشرّدين للتأكد من عدم تشكيلهم أيّ خطر على غيرهم. ويتمّ توجيههم لتقييم وضعهم في المستشفيات الحكوميّة بالتعاون مع وزارة الصحّة التي تقدّم لهم الخدمات الطبيّة المجّانية في حال لديهم القدرة على الاندماج، مع الإشارة إلى أنه لا صلاحية لوزارة الشؤون الاجتماعية لإخراجهم من الشارع أو لوضعهم قسراً في المؤسسة”.
وتختم سليلاتي بالتأكيد على أنّ الوزارة مهتمّة بإشراك القطاع الأهلي ووزارتي العمل والصحة وغيرهما من الجهات المعنيّة، وتعزيز التعاون من أجل وضع الإستراتيجية الخاصة بكبار السنّ والسياسات اللازمة موضع التنفيذ، والتي لم يتمّ تطبيقها بعد بسبب الأزمة المالية الحالية.
دور في خدمة المسنّين مجاناً
عبر إمكانياتٍ ذاتية و/أوتمويل جهات مانحة، تعمل جمعيّات مدنيّة عديدة في لبنان في مجال رعاية المسنّين/ات الذين/اللواتي لم تضعهم/ن السلطات المتعاقبة على الحكم في سلّم أولويّاتها، لتحلّ مكان الدولة، حيث يوجد 152 دار للمسنين/ات في لبنان بينها 52 داراً مرخّصة. وفي هذا الإطار، تعتبر “دار الأمان للمسنين” في العبّاسيّة في الجنوب، التابعة لـ “جمعيّة المبرّات الخيريّة” واحدة من أوائل عشر جمعيّات تعنى برعاية كبار السنّ. فهي تقدّم لهم الخدمات الشاملة بدءاً من الإقامة وصولاً إلى الخدمات الصحيّة والنفسيّة بشكل مجانيّ.
يشرح أسعد حيدر، مدير عام الدار، أنّ “الدار تتألّف من 6 طوابق وتتّسع لـ 80 مسناً/ة، وتضمّ مجموعة من التجهيزات المهمّة والخدمات الشاملة والكادر الطبيّ المتخصّص، وتتميّز بوجود مركز العناية الملطّفة الذي يتضمّن 4 أسرّة ويشمل كلّ الخدمات الضرورية المتوفرة في المستشفيات”. أمّا الخدمات الأخرى، فكما يوضح حيدر، تتمثل بالدعم النفسي والصحي للمسنين/ات وعائلاتهم للتخفيف من أوجاعهم النفسيّة والصحيّة، وخدمات التغذية، وخدمة العلاج الفيزيائي التي يؤمّنها النادي الرياضي للمسنين/ات، وخدمات ترفيهية وأنشطة داخل الدار وخارجها”.
أمّا الشروط الواجب توافرها لقبول المسنّ، فيحدّدها حيدر قائلاً: ” الدار تضمّ أشخاصاً من مختلف الطوائف والمناطق وحتى الجنسيات. لا يوجد شروط محدّدة إلّا أن يكون عمر الشخص فوق الـ 64 سنة، حسب المعايير المحدّدة من قبل وزارة الصحة، إذ يأتي جميعهم/ن عبر عقد مع وزارة الصحة إلّا في حالات استثنائية يكون فيها المسنّ/ة الأقلّ عمراً بحاجة إلى الرعاية والعناية العاجلة”.
ويختم حيدر بالكشف عن افتتاح جمعيّة المبرات الخيرية مركزاً في بنت جبيل يتضمّن خدمات رعائية نهارية لجميع المسنّين، على شاكلة مركز تمّ افتتاحه في جويّا في قضاء صور.
تضافر الجهود للحفاظ على كرامة المسنّين
بعد 15 عاماً، سيصبح لبنان “بلداً مسنّاً” حسب التوقعات الديموغرافية، ممّا يستدعي تخطيطاً مبكراً لكيفية رعاية المقبلين على الشيخوخة على مستوى واسع من التعاون بين الوزارت المعنيّة.
إنّ العتب كبير لا على الدولة فحسب. فالسلطة الرابعة التي تتجلّى في وسائل الإعلام لا تعير حال كبار السنّ أهميّة، فيما الواقع المأساوي الذي يعيشه العجزة في لبنان يستدعي تحرّكاً طارئاً لمساعدتهم في سبيل استكمال ما تبقى من أعمارهم بما يحفظ كرامتهم، وذلك عبر جعل قضيتهم جزءاً أساسيٍّاً من المادة الإعلامية، ومن خلال الإضاءة عليها في البرامج والنشرات الإخبارية، ورفع مستوى الوعي العام بشأنها.
إنّ تضافر جهود الجهات الرسمية والخاصة، عبر مبادرات ومشاريع عملية، كفيل بتنفيذ الإستراتيجيات والسياسات الموضوعة، وتأمين متطلبات المسنين/ات الأساسيّة من صحة وأمان ومأكل ومشرب، وبضمان حقوقهم المادية والمعنوية، وحياة لائقة وكريمة لهم.
للتواصل:
دار الكرامة 06 661577 / 558
دار الأمان لرعاية المسنّين 01 822 221
دار العجزة الإسلامية 01 856 658
دار راهبات المحبّة 09 211 655