سجّل الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي سابقة في تاريخ تأليف الحكومات، حيث دقّ الحديد وهو حامٍ، وقدّم تشكيلة لحكومة جديدة إلى رئيس الجمهورية بعد اقل من 24 ساعة من انتهاء استشاراته غير الملزمة التي أجراها مع النواب يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين. وما دفع ميقاتي إلى التعجيل بإعداد تشكيلة حكومته، هو ما لمسه من التوجّهات النيابية مما وصفه “تعفّفها” وقرارها المسبق بعدم المشاركة في الحكومة، وهو الامر الذي سهّل إعداد التشكيلة بهذه السرعة.
ونقلت “الجمهورية” عن الرئيس المكلّف قوله: “انّ قرار تقديم التشكيلة اتخذته ليلاً وبخط يدي، بعد ان تعفّف الجميع عن المشاركة وأصبحت الخيارات ضيّقة”.
المسودة: تبديل وتعديل
وفيما أظهرت مجريات الأمس انّ جمرة التأليف باتت في يد رئيس الجمهورية ميشال عون، تحدثت معلومات عن انّ الرئيس عون لم يكن يتوقع ان يتسلّم من ميقاتي تشكيلة حكومته بهذه السرعة.
واكّدت معلومات “الجمهورية”، انّ الرئيس عون ألقى نظرة سريعة على التشكيلة، ولم يبد حيالها أي ملاحظات ايجابية او سلبية، بل استمهل لدرسها بعض الوقت، على ان يبلغ الرئيس المكلّف بموقفه النهائي منها في اللقاء المقبل بينهما، والذي قد يُعقد خلال الساعات المقبلة.
ميقاتي أدّى واجبه
إلى ذلك، وفور الاعلان عن تقديم ميقاتي لتشكيلته إلى رئيس الجمهورية، سألت “الجمهورية” مقرّبين من الرئيس المكلّف عن مصير هذه التشكيلة وما اذا كانت قد لقيت قبولاً من الرئيس عون، فأكّدت انّ الرئيس المكلّف وفى بما وعد به، حيث قدّم صورة للحكومة التي تلائم هذه المرحلة، وذلك إنفاذاً لرغبته الجدّية بعدم تضييع الوقت وتشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن.
وبحسب هؤلاء المقرّبين، فإنّ “ميقاتي بتقديمه التشكيلة، يكون قد ادّى واجبه وقام بما تمليه عليه مسؤولياته، ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم، التي ينبغي ان تُترجم بتسهيل ولادة الحكومة اليوم قبل الغد، والتالي فإنّ الكرة لم تعد في ملعبه، ويؤمل ان يأتي موقف رئيس الجمهورية مسرعاً لولادة هذه الحكومة”.
عود على بدء
إلّا انّ الاجواء التي سادت بعد تقديم التشكيلة، أشّرت الى سلبية في مقاربة فريق رئيس الجمهورية لتشكيلة ميقاتي. وفيما أبلغت مصادر سياسية مسؤولة إلى “الجمهورية” قولها انّه “لو كانت المقاربة الرئاسية إيجابية من مسودّة الحكومة التي قدّمها ميقاتي إلى الرئيس عون، لكان لمس الرئيس المكلّف هذه الايجابية من رئيس الجمهورية فور اطلاعه عليها، ولما استمهل رئيس الجمهورية لدراستها، وان يطلب الرئيس دراستها فذلك يستبطن الوقوف على رأي رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، يعني عود على بدء، بما يفتح من جديد صفحة المماحكات”.
الّا انّ اوساط فريق رئيس الجمهورية تستغرب ما سمّتها مسارعة البعض الى الحكم المسبق على موقف رئيس الجمهورية من المسودة التي قدّمها الرئيس المكلّف، وقالت لـ”الجمهورية”: “انّ رئيس الجمهورية لم يبد أي اعتراض على هذه المسودة، بل لم يرفضها، ووعد بدراستها وإبلاغ الرئيس المكلّف بخلاصة دراسته، فلا شك انّ لديه ملاحظات وسيبديها من موقعه كشريك في التأليف، ومن هنا فالمسودة ليست منزلة، ولذلك قد يطلب رئيس الجمهورية إدخال بعض التعديلات عليها”.
ما حصل أمس لم ينل اعجاب الرئيس عون
وقالت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ”اللواء” أنه ينكب على دراسة التشكيلة التي حملها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي اليه صباحا وبالتالي لم يقل رأيه بها قبل أن يفندها. ولاحظت المصادر سرعة تسريب التشكيلة المقدمة بخط يد ميقاتي والتي اودعها لدى الرئيس عون في محاولة يمكن تفسيرها بأن هذه المسودة اصبحت في ملعب رئيس الجمهورية.
وقالت إن هناك ترجيحا بأن ما حصل أمس لم ينل اعجاب الرئيس عون لا سيما أنه شريك في تأليف الحكومة.
ورأت أنه يحتفظ بحقه في تقديم رأيه، وبات واضحا أن التعديلات طاولت حقائب الاقتصاد والطاقة والمال وشؤون المهجرين، واقترح الرئيس ميقاتي الوزير السابق النائب جورج بوشيكيان للأقتصاد وشخصية من ال سنو للطاقة ولم يقترح أي اسم للمال. وفهم من المصادر أن مداورة لحقت بوزارتي الطاقة والأقتصاد، ومن هنا توقعت أن ترفض المسودة الحكومية على اعتبار أنه لم يحصل تشاور بها مع الرئيس عون لاسيما أن اللقاء بينهما لم يستمر لوقت طويل.
واعتبرت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة الجديدة، عبر “اللواء” قيام البعض بتسريب مسودة التشكيلة الوزارية الموجودة بعهدة رئيس الجمهورية ميشال عون، بانه سلوك متهور معهود من هؤلاء، لتخريب عملية التشكيل، وابقاء لبنان بلا حكومة جديدة، بعدما فشلوا في فرض شروطهم التعجيزية، وتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العامة.
لا مجال لهدر الوقت
اكد مصدر وزاري لـ”الشرق الأوسط” بانه لا مجال لهدر الوقت ما دام أن المطلوب منها مواصلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من التأزم والانتقال به إلى مرحلة التعافي المالي، خصوصاً أن التوقيع بين الحكومة والصندوق بالأحرف الأولى يبقى في إطار إعلان النيات ما لم تبادر إلى إنجاز دفتر الشروط المطلوب منها.
وفي هذا السياق يقول المصدر الوزاري إن ميقاتي توخى من زيارته المبكرة لعون بأن يختصر المسافات لأن ضيق الوقت في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر فيها البلد وقبل أربعة أشهر من انتهاء الولاية الرئاسية لعون يتطلب الإسراع بتشكيل الحكومة بدلاً من الدخول في مراوحة تقحم البلد في مشاورات مكوكية لا جدوى منها.
ولفت إلى أن ميقاتي لا يريد أن يحشر عون بمقدار ما أنه يتطلع إلى تمرير رسالة للداخل والخارج بأنه على عجلة من أمره في تهيئة الظروف لولادة الحكومة، وبالتالي يعفي نفسه من المسؤولية في حال لم يلقَ التجاوب المطلوب بدءاً برئيس الجمهورية الذي يمكن أن يسجل اعتراضه على إعفاء عدد من الوزراء من مهامهم واستبدالهم بواسطة وزراء آخرين من الوجوه الجديدة.
وراى المصدر الوزاري نفسه أن ميقاتي بتسليمه نسخة من التشكيلة الوزارية لعون لم يتجاهل دوره أو يريد القفز فوقه، وإنما أراد أن يمارس صلاحياته المنصوص عليها في الدستور باختيار الوزراء لتفادي الوقوع في فخ إشراك الآخرين كما حصل في الحكومة الحالية ويعود لرئيس الجمهورية للتشاور معه، وله الحق بأن يطلب إدخال تعديلات على أسماء بعض الوزراء أو الامتناع عن التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة.
الى ذلك، قالت مصادر وزارية مقربة من الرئاسة لـ«الشرق الأوسط» إنه «حتى الآن لا يمكن الحديث عن رفض أو قبول، فالرئيس يقوم بدرسها خاصة لناحية المعطيات المتصلة بها والتغييرات التي حصلت والتوازنات وغيرها… ومن ثم يتخذ القرار بشأنها».
تبديل الاسماء
الى ذلك، فقد ظهر من التشكيلة الحكومية التي تسرّبت أن ميقاتي لم «يُضيّع وقته في دراسة المطالب التي أودعتها الكتل النيابية لديه أو تصورها لشكل الحكومة»، وقدّم، كما توقّعت أوساط سياسية قبلَ أيام، تشكيلة هي عبارة عن تعديل وزاري، إذ أبقى على الحكومة السابقة مكتفياً بتبديل أسماء بعض الوزراء، واضعاً سنياً (وليد سنو) لوزارة الطاقة بدلاً من الوزير وليد فياض، وأعطى وزارة الاقتصاد إلى الأرمن (الوزير الحالي جورج بوشكيان الذي يشغل حقيبة الصناعة)، فيما أعطيت الصناعة إلى الطائفة الدرزية (وليد عساف)، وصارت وزارة المهجرين من حصة الأرثوذكس (النائب سجيع عطية)، وبقيت وزارة المالية مع الشيعة لكنه استبدل يوسف الخليل بالنائب السابق ياسين جابر.
ولفتت “الاخبار” الى ان مصادر القصر الجمهوري لم تصرّح عن موقف رسمي للرئيس عون، إلا أن أجواء بعبدا غير مرتاحة لخطوة الرئيس المكلف، وخصوصاً أن رئيس الجمهورية كان قد حاول التفاهم معه على شكل الحكومة في الجلسة الثنائية التي عقداها في بعبدا الأسبوع الماضي، والتي أبلغ فيها عون ميقاتي نتائج الاستشارات النيابية الملزمة.
ونُقل عن ميقاتي أمس أن التشكيلة التي قدّمها تحظى بدعم الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وكتل نيابية جديدة؛ بينها كتلة عكار وحزب الطاشناق، فيما لن يعترض حزب الله على تشكيلة لا تمس حصته.
وأوضحت المصادر أن المبادلة بين المواقع السنية والأرثوذكسية والأرمنية التي أجراها ميقاتي في وزارات الطاقة والاقتصاد والمهجرين، “جرت بما يرضي كل الأطراف”، وأنه “رشّح لوزارة الطاقة وزيراً يُمكنه التفاهم معه وليس تحت وصاية أي جهة سياسية”، كما يتهم ميقاتي الوزير الحالي وليد فياض.
ونقلت المصادر عن الرئيس بري موافقته على تعيين جابر وزيراً للمال كونه واكب كل الاجتماعات المخصصة للوضعين المالي والنقدي، سواء من خلال لجنة المال والموازنة أو من خلال المناقشات الجانبية مع الجهات اللبنانية والدولية، وهو مطّلع على خطة الحكومة للتعاون مع صندوق النقد الدولي.
غير أن واقع الأمر لا يشي بهذه الإيجابية. بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، فقد “تعمّد ميقاتي النيل من التيار بانتزاع وزارة الطاقة منه، فيما لم يجرؤ على الاقتراب من وزارة المالية”. وقالت مصادر قريبة من التيار إن باسيل “أكّد مراراً أنه غير متمسّك بوزارة الطاقة، لكنه يدعم المداورة في كل الحقائب، لا أن يقتصر الأمر على جهة سياسية واحدة وعلى طائفة بعينها بما يعكس كيدية سياسية”. ورأت المصادر أن ما جرى أمس “يؤكد صوابية قرار التيار بعدم تسمية الرئيس ميقاتي لتأليف الحكومة”.