سامر عبدالله_ ليبانون تايمز
نجحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في إنجاز إستحقاق الإنتخابات النيابية وفي تقليل الخسائر الإقتصادية، غير أنها لم تنجح في التأسيس لحلول سياسية وإقتصادية مستدامة لعدة أسباب أبرزها الفشل السياسي شبه المطلق، وإحتدام الصراع الإقليمي داخل لبنان، إضافة إلى الضغوط الإقتصادية على البلد، وتفاقم أزمة النازحين بكلفتها المالية والإجتماعية.
وعندما نتحدث عن المسألة الإقتصادية الراهنة، فنحن أمام إحدى عوامل الخطر التي باتت تهدد مصير البلد، حيث إنهار القطاع المصرفي، واختفت ودائع الناس، وإنعدمت ثقة المغتربين والمستثمرين مع غياب الضوابط القانونية والقضائية التي تحمي رأس المال الذي يوظف في الداخل. يضاف إلى ذلك فشل السلطة في إنتاج الكهرباء التي هي العامل الرئيسي للصناعة والسياحة والتجارة.
أتى الإستحقاق الإنتخابي الراهن في ظل مبالغة بعض القوى، وخاصة الفريق الموالي لواشنطن، في تقدير أثرها على التوازنات السياسية في البلد، الذي تحكمه المصالح الطائفية والمذهبية، والذي هو جزء من الصراع العربي – الإسرائيلي، والعربي – الإيراني وصولا إلى الصراع بين الشرق والغرب.
أثبتت التجارب التاريخية في لبنان أن الحلول السياسية هي الأفعل، فحتى هزيمة ميشال عون على يد الجيش السوري عام 1989 قد تزامنت مع نسق سياسي ووطني عريض عنوانه إتفاق الطائف الذي لم يزل ساري المفعول وإن لم يطبق بالكامل.
بالعودة إلى الإنتخابات النيابية الأخيرة حيث حاول الفريق الأمريكي التأسيس لشروط فوزه بها منذ أربع سنوات، وتمحورت العناوين التي طرحها هذا الفريق بين ضرورة تجديد السلطة، وحول بدعة تحميل المقاومة كل مشاكل البلد، إضافة إلى المطالبة بمؤتمر دولي يعلن حياد لبنان.
وأكثر من ذلك، فقد حاول الفريق الأميركي في لبنان إسقاط مجلس النواب السابق قبل إنتهاء ولايته، وبعضهم إستقال من البرلمان من أجل تحييد نفسه عن الحكم ولمراكمة شعبيته، وبعضهم امتنع عن المشاركة في الحكومة رغم دعوته لذلك، كما حاولوا تعطيل البلد من خلال الإعتصامات وقطع الطرقات وهذا ما انعكس سلبا على الأداء الإقتصادي والسياسي.
يصعب تفسير إصرار أي فريق لبناني للحصول على الأغلبية في ظل النظام الطائفي والمذهبي السائد، ومع إستحالة الحكم دون مراعاة ما يسمى بالميثاقية. ففي ظل الأغلبية التي كان ينالها فريق 14 آذار كان فريق 8 آذار غالبا يحصل على الثلث المعطل، وفي ظل الأغلبية الأخيرة لفريق 8 آذار كانت تتم دعوة الرئيس سعد الحريري لترؤس الحكومة كونه كان الممثل الأقوى للطائفة السنية رغم كونه خارج الأغلبية. كما كانت تتم دعوة القوات اللبنانية للمشاركة في الحكومة، وكان خلافهم الجوهري مع التيار الحر حول حجم التمثيل لا على مبدأ المشاركة. كما أن الرئيس عون لم يكن لينجح في تولي منصب رئاسة الجمهورية لولا الغطاء الواسع من المكون المسيحي مما جعله يتفوق على الوزير السابق سليمان فرنجية.
بناء عليه، ودون الغوص في الأرقام، وأين تقع الأغلبية وأين تقع الأقلية في البرلمان الجديد، السؤال الحقيقي هو متى حكمت الأكثرية، ومتى عارضت الأقلية في لبنان؟
من الخطأ الخلط بين تطوير الأداء الحكومي في لبنان وبين هوية البلد الإقليمية. وإن محور المقاومة لا ينكر هويته إلا أن المشكلة في أن من يطالب بالحياد يقع ضمن صلب المنظومة الأطلسية التي لم تترك بلدا آمنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا وتآمرت عليه وخربته بدءا من العراق وصولا إلى سوريا وليبيا.
لنفترض أن فريق 14 آذار، وبعد إقصائهم للرئيس سعد الحريري بسبب موضوعيته، يملكون حاليا الأغلبية البرلمانية، فما هي خطتهم السياسية والإدارية المقبلة؟.
1- ها هم أمام واقع التجديد للرئيس نبيه بري في مجلس النواب كونه المرشح الشيعي الوحيد، إلى جانب التأييد الذي يناله الأخير من ناخبين عابرين للطوائف والمذاهب.
2- إنهم أمام حتمية التفاهم مع فريق 8 آذار حول إستحقاق رئاسة الجمهورية لعدم حيازتهم على الأغلبية اللازمة لنصاب جلسة الإنتخاب، وإلا فنحن أمام فراغ رئاسي مرتقب وما سيليه من مطالب بضرورة إنجاز هذا الإستحقاق كيفما كان من أجل عدم إضعاف موقع الرئاسة.
3- إنهم أمام مطلب إعطاء 8 آذار الثلث المعطل لأن هذا الفريق يملك أكثر من الثلث من أعضاء البرلمان.
4- إنهم لا يحملون مشروعا إقتصاديا ولا مشروعا إصلاحيا، كما أن غالبيتهم الساحقة منغمسة في الإثراء غير المشروع وفي التمويل الخارجي.
ويصح القول أن عدم تطبيق الديمقراطية السليمة في لبنان هو فقط بسبب النظام الطائفي، وهو الذي نسف مفهوم الأغلبية ومفهوم الأقلية، حيث حلت مكان ذلك قاعدة الميثاقية أو الحيثية أو التوافقية أو الوحدة الوطنية، وهذه ضريبة ستدفعها في كل المراحل أي أغلبية مهما كان نوعها.
لذلك نحن حاليا أمام ثلاثة خيارات، فإما حكومة وحدة وطنية تعمل بواقعية وتضع خطة نهوض وتعالج مشاكل البلد الإدارية والإقتصادية والإجتماعية لحين نضوج مسألة الإصلاح السياسي وإنتاج العقد الإجتماعي الجديد أو تطبيق الطائف، وإما حكومة تحدي إن إستطاع فريق 14 آذار تشكيلها من الناحية العددية فنكون أمام تجربة الرئيس فؤاد السنيورة قبل 7 آيار 2008، وإما فراغ حكومي وإستمرار الحكومة الحالية لحين الإستحقاق الرئاسي وربما إلى ما هو أبعد.