غسان همداني – ليبانون تايمز
الفساد في لبنان ظاهرة موجودة منذ وُجد لبنان، خاصة وأن الانتماء لم يكن يوما الى دولة او وطن، بل الى طوائف وقبائل وعشائر ومناطق، وفيروس الفساد موجود في هواء ومياه لبنان، بحيث أن اللبنانيين، معظم اللبنانيين، يحملون هذا الفيروس، وأصبح في الجينات اللبنانية، ولا يقتصر الأمر عليهم بل يتعداه الى كل مقيم او زائر من أي جنسية كان.
الفساد، تماهى مع اللبنانيين حتى أصبح من أدبياتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، يتساوى في ذلك السلطة بكل تفرعاتها، والأحزاب، والشعب، وأتقن اللبنانيون لعبة الفساد، واداروها بحكمة، على قاعدة ” لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”، فكانت الصفقات والسمسرات، والأحكام القضائية، والملاحقات الأمنية، والتعيينات، وسرقة وهدر المال العام، تتم بطريقة مدروسة، يراعى في توزيعها التوازن الطائفي، والمناطقي، والحزبي، ولكل نصيب محدد وفقا للأحجام والحضور والتحالفات.
إن صراخ البعض ضد الفساد، ومن أي جهة أتى، لا يحمل في طياته صدق الشعار، ولا يبتغي مصلحة الناس، أو مصلحة البلد، بل يخفي في طياته جذب الأنظار إليه، إما لزيادة حصة يعتبرها مجحفة، او لحجز حصة له، وأكبر دليل ما حصل في الحراك الأخير العام الماضي.
مع وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، ورفعه شعار الإصلاح والتغيير، بدا للبعض أن محاربة الفساد ستكون من أولويات العهد، علما أن ممارسة وزراء التيار الوطني لم تكن مشجعة، خاصة لجهة الكهرباء والسدود وغيرها، لكن النتيجة كانت كارثية، حيث بدأت بوادر انهيار الدولة تظهر للعلن.
ليس الرئيس عون أول جنرال يصل الى سدة الرئاسة، لكنه الوحيد الذي يتعاطى مع موقع الرئاسة من منطلق عسكري، مفترضا التزام الجميع “بأمر اليوم”، محاولا استرجاع صلاحيات ما قبل الطائف، حيث كان رئيس الجمهورية الحاكم بأمره، مع العلم أن الرئيس ميشال عون لا يعترف بهذا الاتفاق، الذي يعتبره نتاج المؤامرة عليه عام 1990 واخراجه من “بيت الشعب”.
إن الرغبة في استعادة مجد غابر، ومحاولة توريث الصهر، شكلا العامل الأساس في تنامي الفساد، وخروجه عن مساره “المنضبط”، وبالتالي كانت محاولات احتكار التعيينات، وحماية الفاسدين من الذين أدوا فروض الطاعة والولاء، ومحاسبة كل من يعترض سواء كان فاسدا أم لا، وازاحة كل من تسول له نفسه التفكير بالوصول الى رئاسة الجمهورية، سواء كان من أهل بيت العهد والتيار أو من خارج هذه المنظومة، ما أدى الى تنامي الخلاف، والخصومة مع الجميع على الساحة اللبنانية.
كثيرة هي الممارسات التي انتهجها العهد لتحقيق هذه الغاية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، منع التشكيلات القضائية للإمساك برقبة القضاء، بالإضافة الى صفقات البواخر، والفيول المغشوش، والسدود، دون أن ننسى معمل سلعاتا، والإصرار على التنقيب في البلوك رقم 4 دون البلوك رقم 9، وكثير من الأمور التي فاضت بها وسائل الاعلام، والتواصل الاجتماعي، ويضيق بها المقال، فلا لزوم للتكرار.
وآخر ابداعات المستشارين، تحويل مجلس الدفاع الأعلى الى بديل عن مجلس الوزراء، في محاولة فاضحة لمصادرة دور رئيس الحكومة، وهو ما يخالف الدستور والقوانين التي تحدد مهام هذا المجلس، أما الخطأ أو الخطيئة فهو ما أقدم عليه القاضي صوان، وبإيعاز من كبير المستشارين، رمي طابة المحاسبة على المجلس النيابي دون تقديم أدلة، ومن ثم الادعاء على رئيس الحكومة، ووزراء من توجه سياسي معين، دون غيرهم من وزراء، وقضاة، وجهات أمنية، وغيرهم يتحملون المسؤولية بشكل كبير، ما أفقد القاضي صوان مصداقيته حيث تبين أن الكيدية السياسية وليس المحاسبة وراء قراره.
لا نحمل العهد وحده مسؤولية الفساد، لكنه يتحمل المسؤولية الأكبر، فهو لم يلتزم بشعار الإصلاح والتغيير، ولم يحارب الفساد، وما محاولته في محاربة بعض الفاسدين الا لإزاحتهم والحلول مكانهم.
كان الناس قبل هذا العهد، يلعنون الفساد وهم شبعى، ويسبون الحكام وليرتهم تتمتع بقيمتها الشرائية، ويعترضون على أداء السلطة وأموالهم متوفرة ساعة يشاؤون في المصارف، وكان اللبنانيون يعيشون برفاهية كل حسب قدراته المالية وأحيانا أكثر من قدراته، أما اليوم فالدولار يحلق دون ضوابط، والقدرة الشرائية في الحضيض، والأموال في المصارف لا يعلم مصيرها غير الله، والمواد الغذائية مفقودة شأنها شأن الدواء وغيرها، والبلد ذاهب الى ” جهنم” حسب قول رئيس الجمهورية، ما جعل اللبنانيين يترحمون على عهد الفساد السابق.