محمد علوش – الديار
في السنوات الأخيرة «بدّلنا» الحكومات كما يبدّل الشخص الملابس، فلا تكاد تبدأ الحكومة عملها حتى تستقيل، وبات الوقت المخصص لتشكيل الحكومة يساوي الوقت الذي تقضيه في السلطة، فحكومة سعد الحريري «إلى العمل» احتاجت إلى 9 أشهر لتولد، وحكمت لـ 9 أشهر فقط، مع الإشارة إلى أن تشكيل الحكومات قبل الطائف، وفي الـ15 عاماً الاولى بعد الطائف يختلف عنه في فترة الـ 15 عاماً الثانية.
لم ينجح العهد الحالي بالحفاظ على حكومة واحدة لفترة طويلة، ويبدو أن حكومة العهد الأولى الموعودة، لن تأتي، فبعد استقالة حكومة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الأولى والثانية، استقالت حكومة حسان دياب، وها نحن اليوم نحاول تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري مجدّداً.
قبل توقيع إتفاق الطائف كانت الحكومات مختلفة عما هي عليه اليوم، إذ كان من الممكن ولادة حكومة من 3 وزراء فقط، كما حصل عام 1929، وعام 1952، ولكن بعد الطائف تبدّل الدستور ووُلد نظام جديد، كانت ترعاه الحسابات الإقليمية والدولية، وكان لسوريا الدور الأساسي فيه قبل خروجها من لبنان عام 2005.
إذا هناك مرحلتان يمكن الحديث عنهما بعد الطائف، الأولى منذ العام 1991 حتى العام 2005، والثانية ما بعد العام 2005 حتى يومنا الحالي. في المرحلة الأولى لم يكن يسبب تشكيل الحكومات أزمات طويلة، وكان التشكيل يحتاج إلى أيام معدودة عادة لا تتخطى الـ 15 يوماً، فحكومة سليم الحص الاولى احتاجت الى 13 يوماً، ومن بعدها حكومة عمر كرامي عام 1991 إحتاجت إلى 5 أيام، ومن ثم حكومة رشيد الصلح عام 1992 احتاجت الى 4 أيام فقط، بعدها حكومة رفيق الحريري واحتاجت الى 8 أيام وتمكنت من الحكم لمدة 6 سنوات حتى العام 1998، يوم انتهت ولاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي.
أما الحكومة الأسرع تشكّلاً في لبنان فكانت حكومة سليم الحص الأولى في عهد الرئيس إميل لحود، فخلال يومين فقط وُلدت الحكومة، ولا يبدو أن أحداً في عصرنا الحالي سيتمكن من كسر الرقم القياسي لوقت تشكيل الحكومات، فاليوم نحتاج إلى يومين لإجراء الإستشارات النيابية غير الملزمة، لتبدأ بعدها رحلة المعاناة في التشكيل.
بعد الخروج السوري من لبنان تبدّلت الصورة، فدخل لبنان في صراع سياسي يُعتبر الأقسى بتاريخه بين 8 و14 آذار، وبات تشكيل الحكومات يتخذ وقتاً طويلا يصل إلى حدود العام. إن أول حكومة بعد خروج السوريين من لبنان كانت لنجيب ميقاتي وتحمل الرقم 68، وتشكلت خلال 50 يوماً، وبعدها حكومة فؤاد السنيورة التي استغرق تشكيلها الوقت الأقصر في كل مرحلة ما بعد 2005، وهو 19 يوماً فقط، وبعدها حكومة فؤاد السنيورة أيضا التي تلت اتفاق الدوحة واستغرق تشكيلها فترة طويلة تزيد عن 130 يوما، ومن بعدها حكومة سعد الدين الحريري عام 2009 والتي احتاج الحريري فيها الى محاولتين، الأولى استغرقت شهرين ونصف، ثم اعتذر عن التكليف، ثم كُلّف مجددا، ثم شكّل بعد شهرين إضافيين.
في عهد ميشال عون شكّل الحريري الحكومة الأولى بـ45 يوماً،وحكومته الثانية بعهد عون احتاجت إلى 9 أشهر، وبالتالي الرقم الأقصر للحريري كان 45 يوماُ، وهذا الرقم لن يكون صعباً على الحريري ليكسره في زمن تشكيل حكومته المقبلة، وبحسب مصادر سياسية مطّلعة على مفاوضات تشكيل الحكومة فإن الحكومة لن تتأخر، لأن الأفرقاء المعنيين بتشكيلها يتفقون على ضرورتها وحاجتهم إليها، خصوصاُ وان الإشارات القادمة من الخارج إيجابية، ورياح المنطقة ملائمة.
وتكشف المصادر أن الكل سيتنازل بمكان ما، وسيكون الجميع منتصراً، مؤكدة في الوقت نفسه أن الحريري قرر اعتماد منهاج واحد للتفاوض، والاسماء تأتي أخيراً، وبالتالي البحث بالأسماء لم يبدأ بعد ولو أن التشكيلات المتوقعة بدأت تنتشر، مشيرة إلى أن المفاوضات الحالية تتركز حول أمرين: عدد الوزراء، وتقسيم الوزارات السيادية.