حسن الدّر – خاص ليبانون تايمز
خاض الرّئيس نبيه برّي حرباً باردة على مدى عشر سنوات، مع أشرس و”أليَن” المفاوضين الأميركيين، مدعومين بسلسة من الضّغوطات، وحملات التّشويه والتّحريض الاعلاميّة والسّياسيّة، عشر سنوات بحلوها ومرّها لصياغة ورقة من بضعة بنود، تبدو المدّة طويلة والحصيلة ضئيلة، هذا في الشّكل، أمّا في المضمون فللفاصلة والنّقطة محلّ لا يمكن تبديله في مقاييس السّيادة والكرامة الوطنيّة، خصوصًا عندما يخطّ نبيه برّي بنودها!
دخلت الادارة الأميركيّة على خطّ التّرسيم بصفة الوسيط، عام ٢٠١٠، وهي بطبيعة الحال وسيط منحاز كليّاً إلى جانب الكيان الصّهيوني.
يتّفق الأميركيون مع الاسرائيليين على فصل ترسيم الحدود البرّيّة عن الحدود البحريّة، مقابل موقف لبنان بالإصرار على تلازم التّرسيم برّاً وبحراً لاعتبارات عدّة، أبرزها عدم اعتراف لبنان بنهائيّة ترسيم الحدود البرّيّة بُعيد انسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، فبقيت أراضٍ لبنانيّة تحت الاحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، فيما تحاول “اسرائيل” وأميركا ضمّ هذه المناطق للكيان الصّهيونيّ.
هذا عدا عن محاولة تمرير صفقة القرن المزعومة، فخريطة الدّولة الفلسطينيّة المستقبليّة، وفق الرؤية الأميركية، تظهر أن الحدود مع لبنان غير نهائيّة، ما يعني أن ترسيم الحدود بين “إسرائيل” ولبنان مرتبط بتنفيذ الصفقة.
تركّز الخلاف بحراً على مساحة البلوك رقم 9، حيث تقترح المبادرة الأميركية منح لبنان 60 بالمئة منه و40 بالمئة لاسرائيل، فيما يرفض لبنان هذا المقترح، ويطالب بالبلوك كاملاً.
اقترح الأميركيون أن يبدأ لبنان بالاستفادة من مساحة 60 بالمئة من البلوك، ويجري بعد ذلك الكشف على نسبة الـ 40 بالمئة المتبقيّة، وإذا تبيّن وجود للنّفط فيها، تحصل صيغة للتّوافق على تقسيمها، وهذا ما رفضه برّي أيضاً، مصرّاً على الحقّ بكامل مساحة البلوك 9.
هذا في النّفط، أمّا في موضوع المياه، والمنطقة الاقتصاديّة، فقد رفض لبنان عام 2012 مقترحًا أميركياً يقوم على منح لبنان 360 كيلومتراً مربّعاً من مياهه لـ”إسرائيل”، مقابل حصوله على ثلثيّ المنطقة الاقتصاديّة، مؤكّدًا أحقّيّته بملكيّة المنطقة الاقتصاديّة بشكل كامل.
ناور الأميركيون بدءًا من هوف وصولًا إلى شينكر، وحاولوا الالتفاف على برّي بعدّة مقترحات، حاولوا وضع سلاح المقاومة بنداً على مائدة التّفاوض، فيما بقي برّي متمسّكاً بثوابت لا يمكن التّراجع عنها، أو التّفريط بها، فأعلن في غير مناسبة بأنّ لبنان لن يتنازل عن كوب ماء ولا عن شبر تراب، وسلاح المقاومة باقٍ ما بقيت الأطماع العدوانيّة.
عصر أمس الخميس عقد الرّئيس برّي مؤتمراً صحفيّاً في عين التّينة، أعلن فيه الاتّفاق مع الأميركيين على إطار التّفاوض بين لبنان و “إسرائيل”، الّذي سيبدأ برعاية الأمم المتّحدة وتحت علمها.
إعلان إطار التّفاوض جاء بشروط برّي الّتي أصرّ عليها منذ اليوم الأوّل، وهو انتصار أبيض فرضه بصلابته وجرأته، وحنكته وحكمته البالغة حدّ تثبيت قوّة مقاومة لبنان أمام أقوى قوّتين في المنطقة والعالم، منهيًا دوره بإضافة سطر جديد إلى سجلّه الحافل بالانتصارات، تاركًا لقيادة الجيش اللّبناني الحكيمة إدارة المفاوضات للوصول إلى خواتيمه السّعيدة.
بعبارة “حقنا بدنا ناخده” حافظ برّي على حقوق لبنان وكرامته وسيادته، وحفظ للمقاومة إنجازاتها ودورها في فرض شروطها على العدوّ، وأكّد جدوى ترسانتها العسكريّة في مواجهة غطرسة وجشع الكيان الصّهيونيّ، بعدما استضعف على مدى سنوات ضعفه.
ختم برّي مؤتمره بجملة تحمل الكثير من الفخر والمرارة “لبنان صار عمره ٦٠٠٠ سنة وما زال في طور التّأسيس” فهل يستفيد اللّبنانيّون من عمق تاريخهم، وقوّة مقاومتهم لإعادة تأسيس دولة تحقّق تطلّعات أبنائهم؟!