رسمت صحيفة “تلغراف البريطانية” سيناريوهات سوداوية عن الوضع الاجتماعي في لبنان، متوقعة أن يموت الناس من الجوع في هذا البلد الصغير جراء الأزمات المتلاحقة التي تعصف به. واشارت إلى أن لبنان تعرض لأسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ الحديث، بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 80 في المئة من قيمتها في الأشهر الأخيرة، وتحديد منذ تشرين الاول عندما بدأت الاحتجاجات لمكافحة الفساد في البلاد.
ووفقاً لتقرير حديث للأمم المتحدة، بحلول نهاية نيسان، كان أكثر من نصف البلاد يكافح من أجل الحصول على المنتجات الأساسية اللازمة للطعام، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 56 % منذ نهاية تشرين الاول، وتشير النتائج الأولية إلى أنها ارتفعت بين منتصف نيسان وايار فقط بنسبة 50 بالمئة.
وذكرت بان أزمة فيروس كورونا ساعدت في تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع البطالة وانخفاض قيمة الأجور وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى وجود حوالي 1.5 مليون لاجئ، وهو الأعلى على مستوى العالم مقارنة بعدد السكان.
وقال الأستاذ المساعد في برنامج الأمن الغذائي في الجامعة الأميركية في بيروت، مارتن كولرتس: “من المساعدة التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي، كان بإمكان اللاجئين شراء بعض الطعام في الماضي”. وأضاف: “كانوا قادرين على استهلاك بعض العدس، وبعض اللبنة وما إلى ذلك، ولكن نادراً ما كان شراء الخضار والفاكهة صعباً. وكان شراء اللحم غير وارد، إن ما يثير القلق الآن هو أن غالبية اللبنانيين يسيرون على مسار مشابه”.
وأكد كولرتس أن لبنان يتجه إلى تكرار مجاعة 1915-1918 التي مات فيها نصف سكان البلاد آنذاك، مضيفا “بحلول نهاية العام، سنشهد 75 % من السكان يحصلون على معونات غذائية، ولكن السؤال هو ما إذا كان سيكون هناك طعام يتم توزيعه”.
وتابع: “من المؤكد أننا سنشهد في الأشهر القليلة الجديدة سيناريو خطيرًا للغاية يتضور فيه الناس جوعًا ويموتون من الجوع وآثار الجوع”، وأوضح أن احتمال انتشار الجوع على نطاق واسع في لبنان يثير مخاوف متزايدة بشأن الموجة الثانية من فيروس كورونا، حيث من المرجح أن يموت الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
وصرح المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في لبنان عبد الله الوردات، للصحيفة أن برنامج الأغذية العالمي يقدر الآن أن 83 % من 1.5 مليون سوري يعيشون في لبنان بأقل من 2.90 دولار في اليوم، وهو الحد الأدنى المطلوب للبقاء البدني.
وينزلق لبنان نحو انعدام الأمن الغذائي منذ عقود، فقد أهملت الحكومة القطاع الزراعي حتى أصبح لا يسهم إلا بـ3% من الناتج المحلي، ومثل كل قطاع في لبنان، أصبحت الزراعة مليئة بالفساد والمضاربات غير الشرعية عبر تجار يستغلون المزارعين والمستهلكين، والنتيجة أن لبنان يستورد ما يصل إلى 80% من طعامه، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار والآن انهيار عملته، وما يجعل الأمور أسوأ، أن معظم المستوردين يضطرون إلى استخدام الدولار عند شراء السلع بينما يدفع عملائهم داخل لبنان بالليرة.
وأوضح المسؤول في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن هناك ركيزتين أوليتين للأمن الغذائي، أولاً، الحصول على ما يكفي من الغذاء في البلد وثانيًا، الأشخاص الذين لديهم القدرة الشرائية للوصول إلى هذه المواد، مشيراً إلى أن لبنان يواجه ضربة مزدوجة مع ضرب الركيزتين في نفس الوقت.
من جانبه، قال هاني بوشالي رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية والمشروبات إن الواردات تراجعت بالفعل بنحو 50 % عن العام الماضي.
وبحسب الدكتور كيولرتس، يحتاج لبنان إلى حوالي 500 مليون دولار سنويًا لاستيراد المواد الغذائية، خاصة وأن 13 % فقط من أراضيه صالحة للزراعة. وأضاف: “إذا قمت بإجراء العمليات الحسابية، فلن يتمكن لبنان من إطعام سوى حوالي 130 ألف شخص سنويًا”، مشيراً إلى أن أزمة الغذاء تحتاج إلى تدخل أجنبي فورا، وقال إن إنقاذ هذا البلد أرخص بكثير مما سيكون عليه الأمر للسماح لدولة قدمت خدمة لأوروبا من خلال استضافة اللاجئين بالانهيار.
ومع نفاد السيولة واستمرار الهبوط في القوة الشرائية لليرة، بدأ اقتصاد المقايضة في الظهور، مع وصول السلع إلى ثلاثة أضعاف أسعارها الأصلية تقريبًا، فيمتلئ موقع فيسبوك بمنشورات ورسائل لأشخاص يحاولون مقايضة أغراضهم الشخصية بالطعام”.