محمد علوش_ الديار
يوم قرر مجلس الوزراء صرف النظر عن تنفيذ معمل سلعاتا للكهرباء وتركه كما كان مقررا للمرحلة الثانية من الخطة التي تحدث عنها البنك الدولي، والذي أشار الى أن المرحلة الاولى تستلزم بناء معملين، في الزهراني ودير عمار، لم يلتزم وزير الطاقة ريمون غجر بالأمر، وتحدث منفردا عن إقامة 3 معامل، مشيرا الى أن العمل في سلعاتا يجب أن ينطلق في آن واحد مع الزهراني، وفي الجلسة الاخيرة للحكومة تقرر إرجاء إعادة طرح ملف سلعاتا من جديد كون النتيجة السابقة كانت ستكرر. فلماذا الإصرار على معمل سلعاتا؟
بداية لا بد من التأكيد بحسب مصادر سياسية مطّلعة أن رئيس الحكومة حسان دياب، وبعد تشكيله الحكومة مباشرة إتفق مع حزب الله وحركة أمل على أن أولوية تأمين الكهرباء لتخفيض العجز السنوي الناتج عنها لا تعلو عليها أولوية، خصوصا ان إنجاز هذا الملف يشكل ضرورة لأي عملية تفاوض يُجريها لبنان مع المؤسسات المالية الدولية، مشيرة الى أن الإتفاق الذي تمّ بين الأطراف الثلاثة يشير الى ضرورة السير فوراً بتلزيم مشاريع الكهرباء، من أجل الوصول بداية عام 2022 كحد أقصى الى كهرباء مؤمنة 24 ساعة.
وتشدد المصادر على أن الإتفاق يتحدث عن إلغاء فكرة البواخر، والتي ثبُت فشلها في تقديم الحلول، والطلب من الشركات التي تفوز بمناقصات إجراء المعامل، تقديم الحلول المؤقتة ريثما تنتهي من عملها، وهو الامر الذي دفع إليه بشدة البنك الدولي الذي يشدد على ضرورة إنشاء المعامل كحل مستدام للكهرباء في لبنان.
بالنسبة الى سلعاتا، فالوقائع تشير الى أن إنشاء المعمل لم يرد ضمن المرحلة الاولى، وهذا امر مسلّم به، كذلك لا تتوقف الأمور هنا، فالدولة اليوم غير قادرة على تحمّل تكاليف يُمكن تأجيلها، ومنها تكاليف استملاكات سلعاتا، فالأرض هناك بحاجة بحسب المصادر الى ما يزيد عن 200 مليون دولار، قبل بدء العمل بالمعمل، خصوصا أن متر الأرض هناك بات أغلى ويزيد عن حدود الـ 1000 دولار، وبالتالي لا يُقارن بدء العمل في الزهراني أو دير عمار ببدء العمل في سلعاتا، لان الموقعين الاول والثاني، جاهزان ومملوكان من الدولة، ولا يحتاجان الا الى توسعة، وهذا ما يجعل الإصرار على سلعاتا في هذه المرحلة أمرا مشبوها.
يُقال أن مؤسسة كهرباء لبنان استملكت في العام 1978 عقارات لإنشاء معمل للكهرباء، في منطقة قريبة جدا من سلعاتا، ولكن الوزارة تصر اليوم على استملاك أراض أخرى في سلعاتا لإقامة المعمل، وتشير المصادر الى أنه بعيدا عن مسألة الاستملاكات وهوية أصحاب الأراضي المُراد استملاكها، ومنها ما يعود لعائلة نائب سابق في التيار الوطني الحر، ومنها ما يعود لمقربين منه، الا أن المسألة باتت تأخذ أبعادا جديدة، فاليوم عاد الحديث عن التقسيم بقوة، من خلال معطيات عديدة أبرزها تحميل مسؤولية الفقر والجوع لطائفة واحدة، تتمسك بسلاح المقاومة في وجه الغطرسة الاسرائيلية والأميركية.
وتشير المصادر الى أن فئة من اللبنانيين يبدو أنها اقتنعت بأن حالة لبنان ستبقى على ما هي عليه طالما بقي سلاح المقاومة موجودا، وقد عبّر عدد من النواب الذي يعتبرون حلفاء المقاومة عن هذا الواقع، في امر يُمكن فهمه كابتزاز جديد أو قناعة لديهم، ناهيك عن قناعة خصوم المقاومة بهذا الأمر منذ زمن بعيد، وتعود المصادر الى الذاكرة لتقول بأن الجنوبيين طرحوا أمام الرئيس نبيه بري اكثر من مرة فكرة تخصيص الكهرباء المنتجة من معمل الزهراني الى الجنوب حصرا، لإنارته 24 على 24، وكان رد بري واضحا في كل مرّة بأن القيام بهذه الخطوة يعني فصل المناطق عن بعضها، وجعل كل منطقة تهتم بنفسها، ما يشكّل مدخلا للمطالبة بالفصل الشامل، وهذا الأمر جعله يرفض الفكرة مرارا، ويؤكد بأن لبنان لا يمكن أن يُقسم خدماتيا لان ذلك يعني تقسيمه إدارية وطائفيا بشكل كامل.
اليوم عاد التقسيم الى الواجهة، وتتخوف المصادر من أن يكون التمسك بسلعاتا في المرحلة الحالية مدخلا لتقسيم مستقبلي، فالفريق الذي يصر على سلعاتا، يريد إنشاء معمل في المناطق المحسوبة على المسيحيين، الى جانب محطة للتغويز، مشابهة لما سيقام في الجنوب والشمال، الى جانب مساعيه لإقامة منطقة اقتصادية في نفس الرقعة، مشددة على أن التعامل مع خدمات الدولة مناطقيا، وفصل المناطق بعضها عن بعض من خلال الاكتفاء الذاتي من الخدمات، يجعل فكرة التقسيم أقرب للتحقيق. فهل هناك من يسعى لاستعادة دور سلعاتا التاريخي الذي كان قائما أيام الرومان؟