من المرتقب أن يشهد كيان الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، محاكمة هي الأولى من نوعها، لبنيامين نتنياهو، بتهم فساد، وهو على رأس السلطة.
وخلال نحو عام ونصف من أطول جمود سياسي شهدته الدولة العبرية وتخللته ثلاث انتخابات غير حاسمة، حارب نتنياهو بضراوة من أجل استمرار وجوده على الساحة السياسية.
وسيمثل نتنياهو (70 عاما) الأحد أمام المحكمة المركزية في شارع صلاح الدين في القدس المحتلة، وسيجلس على مقعد الاتهام في معركة قضائية جديدة سيسعى خلالها للبقاء خارج السجن وتجنب وصمة عار في إرثه.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قدمت لوائح اتهام بالفساد ضد نتنياهو، تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
وتهمة الرشوة متعلقة بما عرف بملف “4000”، أما تهمتي الاحتيال وخيانة الأمانة فتقعان ضمن ملفي “1000 و”2000”.
ويتضمن الملف 4000 اتهامات لنتنياهو بإعطاء مزايا وتسهيلات مالية للمساهم المسيطر في شركة الاتصالات “بيزك” شاؤول ألوفيتش، مقابل الحصول على تغطية إيجابية في الموقع الإعلامي المملوك لآلوفيتش “والا”.
فيما يتضمن “الملف 1000” اتهامات لنتنياهو بتلقي هدايا من أنواع فاخرة من السيجار والشمبانيا والمجوهرات بقيمة 700 ألف شيكل (نحو 198 ألف دولار) من أثرياء مقابل خدمات مالية أو شخصية.
و”الملف 2000″ يتضمن اتهامات لنتنياهو بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” أرنون موزيس، للحصول على تغطية إيجابية في الصحيفة، مقابل إضعاف صحيفة “إسرائيل اليوم” المنافسة.
ونتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي ولد بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وهو رئيس الوزراء الذي بقي في منصبه المدة الأطول في تاريخ الدولة، وهو أول رئيس وزراء لدى الاحتلال يخضع للمحاكمة وهو لا يزال في السلطة.
ويعتبر نتنياهو من أكثر زعماء الاحتلال الإسرائيلي يمينية، ويكن عداء شديدا لإيران. وخلال حكمه، توقفت كل المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية.
وفي عام 2009، استقال رئيس الوزراء إيهود أولمرت بعد أن أوصت الشرطة بتوجيه الاتهام إليه بتهمة الفساد. وقد حوكم وأدين بتلقي رشاوى، وحكم عليه بالسجن لمدة 27 شهرا، لكن تمّ الإفراج عنه بعد 16 شهرا.
وينتمي أولمرت، كما نتنياهو الى حزب الليكود اليميني.
وقال الباحث في معهد “الديمقراطية” الإسرائيلي للدراسات أمير فوتشز “هذه التهمة هي الأكثر تعقيدا، لأنها تختلف عن قضايا الرشوة الكلاسيكية حيث يتم دفع المال”.
وأضاف فوتشز لصحافيين “الادعاء هو أن نتنياهو كان يحصل على تغطية إعلامية فقط”، لا على المال، معتبرا أن ذلك “أمر غير مسبوق”.
وتابع “لكن في قضية بيزيك، المسألة هي أكثر من كتابة مقالات فيها إطراء له، كان في الواقع تحكما تاما بسياسة تحرير هذا الموقع، والتدخل حتى بأدق تفاصيل النشر في النصوص أو الصور”.
بعد أشهر من الانتظار واستجوابات متكررة من الشرطة لنتنياهو، وجّه المدعي العام أفيخاي ماندلبليت، اتهامات لنتنياهو، اعتبرها العديد من المعلقين بمثابة إنذار بموت سياسي لرئيس الوزراء.
لكن نتنياهو احتفظ بقيادة الليكود. وبعد ثلاثة انتخابات نيابية غير حاسمة، نجح في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع منافسه الرئيسي بيني غانتس.
وبموجب الاتفاق، سيقود نتنياهو الحكومة الخامسة له لمدة 18 شهرا قبل التنازل عن منصبه لغانتس.
وكان موعد محاكمته مقررا في 17 آذار/مارس، لكنه أرجىء بسبب المخاوف المرتبطة بانتشار فيروس كورونا المستجد.
وقدّم محامو نتنياهو مساء الثلاثاء طلب إعفاء له من حضور الجلسة، لأنها جلسة سيتلى خلالها القرار الاتهامي، بينما طالبت وزارة العدل الثلاثاء بحضوره. ورفضت المحكمة المركزية الأربعاء الالتماس.
ويمكن أن تمتد محاكمة نتنياهو لشهور أو سنوات، مع الأخذ بالاعتبار كل الاستئنافات المحتملة.
وبموجب القانون الإسرائيلي، لا يتمتع رئيس الوزراء الحالي بحصانة تلقائية من الملاحقة القضائية، ولكنه أيضا غير ملزم بالاستقالة عند اتهامه، إلا في حال إدانته وبعد استنفاد جميع السبل القضائية.
ويقول أستاذ القانون في الجامعة العبرية في القدس يوفال شناي “هناك عدم توافق أساسي بين دور نتنياهو كرئيس للحكومة ومكانه كمتهم”، مشيرا الى أن رئيس الوزراء “سيقاتل بشدة وربما بشكل فعال لإضعاف السلطات القضائية التي تلاحقه”.
ويضيف: “هناك تضارب خطير في المصالح”.
وبمجرد بدء المحاكمة، سيتمكن القضاة الثلاثة الذين اختارتهم المحكمة العليا من مطالبة نتنياهو بأن يمثل أمام المحكمة عندما يعتبرون ذلك ضروريًا.
وينفي نتنياهو التهم ويقول إنه ضحية حملة ذات دوافع سياسية.
ويسمح القانون الإسرائيلي في أي وقت قبل صدور الحكم بإبرام صفقات قضائية بين الدفاع والنيابة العامة يتم بموجبها تخفيف التهم مقابل إقرار المتهم بذنبه، ومثل هذه المساومات شائعة في المحاكم الإسرائيلية.